الأحكام الاجنبية في الطلاق وإطارها القانوني

المطلب الثاني: دعاوى الأحكام الاجنبية بالصيغة التنفيذية
تقديم:
الأسرة عبارة عن وحدة اجتماعية منسجمة ومتماكة بين جميع مكوناتها ( الزوج، الزوجة، والأطفال) ، لذلك باركت جميع الأديان السماوية استقرار الأسرة وقدسيتها حيث جعلت منها رباطا وثيق الصلة بين أفرادها قاسمها المشترك المعاشرة بالمعروف والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات [1].
وقد جاءت مدونة الأسرة المغربية لتساهم في استقرار الأسرة المغربية وتحافظ على وجودها واستمرارها في أداء الدور المنوط بها في ظل وعي شامل لكل من الزوجين بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات [2].

إلا أن مساهمة مدونة الأسرة في هذا الإطار لم تكن لتقتصر على تنظيم الروابط الأسرية بين المواطنين المغاربة  المتواجدين داخل التراب الوطني، بل تعدتهم لتشمل المقيمين خارج أرض الوطن ولو كانوا حاملين لجنسية أخرى حسبما جاء المادة الثانية من المدونة التي حددت مجال سريان أحكامها [3] . إلا أننا في هذا الموضوع سنحاول تسليط الضوء على وضع خاص بهذه الفئة الثانية من المواطنين المغاربة الذين اضطرتهم ظروفهم الاجتماعية لأن يكونوا اطرافا في روابط أسرية بأرض المهجر حتمت عليهم في حالة النزاع اللجوء إلى قضاء دولة الإقامة من أجل استصدار أحكام قضائية لإنهاء الخلافات القائمة بسبب تلك الروابط . كما أن استناد هذه الأحكام القضائية إلى قوانين بلد الإقامة أثار مشاكل أخرى تتجلى في مدى سريان تلك الأحكام في بلدانهم الأصلية.

من هنا كان البحث ضروريا عن آ ليات قانونية تجعل تلك الأحكام القانونية الأجنبية سارية المفعول خارج المجال الترابي لدولة المحكمة مصدرة الحكم وتحترم بطبيعة الحال مبدأ سيادة الدولة مستقبلة الحكم، ومن هذه الآليات دعوى تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية في هذا الإطار ارتأينا معالجة هذا الموضوع من ثلاثة زوايا نتناول في الأولى المقصود بالأحكام الأجنبية والإطار المنظم وكذا شروط قابلية الأحكام الأجنبية للتنفيذ بالمغرب الثانية نركز فيها على التعليق بعض الأحكام الصادرة في هذا الخصوص .

ثانيا: المقصود بالأحكام الأجنبية والإطار القانوني المنظم لها
يقصد بالحكم الأجنبي الحكم الصادر عن هيأة قضائية باسم سيادة دولة أجنبية بصرف النظر عن مكان صدوره[4] ويتضح من خلال هذا التعريف أن وصف الحكم بأنه أجنبي قد يبدو يسيرا إلا أنه باستقراء العناصر الأساسية التي من خلالها تتحدد معالم الحكم الاجنبي قد يتفاجأ الباحث بتعدد الآراء والنظريات التي تصب في تحديد ماهية الحكم الأجنبي. والمشرع المغربي نظم هذه الأحكام في إطار المادة 128 من مدونة الأسرة والمادتين 430 و431 من قانون المسطرة المدنية.

وبقراءة التعريف أعلاه سوف نتطرق[5] بإيجاز إلى العناصر الأساسية التي تضمنها هذا التعريف مستلهمين ذلك من موضوع قيم أنجزه الأستاذ إبراهيم بحماني تحت عنوان تنفيذ الأحكام الأجنبية في المغرب وهذه العناصر هي:
1-صدور الحكم عن هيأة قضائية: وهي كل جهة لها ولاية القضاء أوكل جهة أسند لها المشرع إصدار قرارات لها نفس قوة الأحكام من حيث قابليتها لاكتساب حجية الأمر المقضي وبالتالي وجب استثناء الأعمال والقرارات الولائية كما أنه يجب أن يصدر الحكم في النزاعات المتعلقة بالقانون الخاص ومن ضمنها التي تخص مادة الأحوال الشخصية.

2-صدور الحكم باسم سيادة دولة أجنبية: ومعنى ذلك أن تكون الدولة التي صدر الحكم عن إحدى محاكمه معترف بها دوليا مع مراعاة الاستثناء الخاص بالاحكام الصادرة عن هيأة دولية لها سلطة القضاء .

3-أن يصدر الحكم الأجنبي في مكان معين: وهذا العنصر مرتبط بعنصر السيادة المشار إليه سلفا لأن مكان صدور الحكم يحدد طبيعته هل هو حكم أجنبي أو وطني فلو صدر مثلا حكم قضائي عن إحدى السفارات أو القنصليات التابعة لدولة أجنبية في المغرب فإن الحكم الصادر عنها يعتبر أجنبيا ويتعين لسريان العمل به في المغرب تذييله بالصيغة التنفيذية وبالمقابل فإن الأحكام الصادرة في مقتضيات والسفارات المغربية بالخارج تبقى أحكاما وطنية دونما حاجة لعرضها على القضاء المغربي من أجل اكتساب القوة التنفيذية

4-أن يصدر الحكم الأجنبي بين أشخاص طبيعيين: أو اعتباريين من أشخاص القانون الخاص وبذلك استثنى الأحكام الصادرة بشأن نزاع محترم بين الدول في إطار التحكيم الدولي لأنهما لا تخضع إلى المسطرة التي تخضع لها الاحكام الأجنبية من حيث التنفيذ.
الخطبة والزواج
_________________________
[1] – عبد الرحيم حاوض قاض بالمحكمة الابتدائية بميدلت ” تنفيذ الأحكام الأجنبية وأثرها على الروابط الأسرية ” ص 230 مقال منشور بمجلة قضاء الأسرة من خلال اجتهادات المجلس الأعلى ، عدد مزدوج أيام 8 و 9 مارس 2007 ص 230.
[2] – الأستاذ ادريس اجويلل ، منشورات مجموعة البقحث في القانون والأسرة ، العدد الاول ، ص  115.
[3] – تسري أحكام هذه المدونة على:” 1- جميع المغاربة ولو كانوا حاملين لجنسية اخرى 2- اللاجئين بمن فيهم عديموا الجنسية طبقا لاتفاقية جنيف، المؤرخة ب 28 يوليوز 1951 المتعلقة بوضعية اللاجئين 3 – العلاقات التي يكونوا فيها احد الطرفين مغربيا ، 4- العلاقات التي تكون بين مغربيين أحدهما مسلم ، أما اليهود المغاربة فتسري  عليهم قواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية “.
[4] – الأستاذ إبراهيم بحماني ” التنفيذ الأحكام الأجنبية بالمغرب” مجلة القضاء والقانون العدد 148 ص  72
[5] – عبد الرحيم حاوض قاض بالمحكمة الابتدائية بميدلت ” مرجع سابق، ص 231.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.