إتفاق الزوجين المطلقين على مسؤوليتهما تجاه الأبناء

الإتفاق على مصلحة الطفل بعد الطلاق  – المطلب الثاني :
من القرارات التي يجب على الزوجين اتخاذها عند إنهاء الرابطة الزوجية بالاتفاق فيما بينهما، ما يتعلق بمسؤوليتهما وواجباتهما نحو أطفالهما.
وإن كان المشرع المغربي منح حرية للزوجين في تدبير كل ما يتعلق بحقوق أطفالها, فإن التزام الدولة المغربية باتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها طبقا للقانون، فرضت عليه جعل الاتفاق المبرم بين الزوجين يخضع لمراقبة القضاء.

لهذا سنحاول أن نتناول في (الفقرة الأول) تنظيم المسؤولية الأبوية المشتركة على أن نتطرق في (الفقرة الثانية) إلى دور القضاء في حماية مصلحة الطفل.

الفقرة الأولى : تنظيم المسؤولية الأبوية المشتركة بين الزوجين
إن وعي المشرع المغربي بأهمية إيلاء الأطفال عناية خاصة باعتبارهم عنصرا أساسيا من العناصر المكونة للأسرة, جعله يفرد لهم مادة خاصة بالحقوق الواجب القيام بها من طرف أبويهما أثناء قيام الحياة الزوجية، على أن تتوزع فيما بينهما في حالة الانفصال, ومن أبرز الحقوق التي تطرح بشكل حاد عند الطلاق، حق الطفل في النفقة والحضانة.

فللأبوين الاتفاق على من سيتحمل واجب الحضانة [1], من خلال التشاور والتوافق، وقد رغب القرآن الكريم في التشاور والتراضي بين الأبوين بعد طلاقهما في شأن فصام ولدهما “فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما”[2], لذلك يكون التشاور أولى عندما يتعلق الأمر بالحضانة، وهكذا للام ان تتنازل عن حقها في الحضانة  لفائدة الأب، ويستثنى من ذلك ما إذا تبين أن تنازل الأم عن حضانة ولدها في غير مصلحته، على اعتبار أن الحضانة حق مشترك بين الحاضن والمحضون.

كذلك إذا التزم الأب بأن لا يطالب بسقوط حضانة مطلقته ولو تزوجت أو سافرت فإن ذلك يلزمه ولا يبقى له الحق في أن يطلب الحكم بسقوط حضانة الأم. مع ضرورة مراعاة مصلحة الطفل وقد اعتبر الفقهاء هذه المعاملة من قبيل الصلح [3].

ومن أجل تفعيل مقتضيات اتفاقية حقوق الطفل اقرت مدونة الأسرة المساواة بين المحضون سواء كان ذكرا أو أنثى عند انتهاء مدة الحضانة التي تستمر إلى بلوغ سن الرشد القانوني، ومنح للطفل المحضون حرية التعبير، عند اختيار من يحضنه من الأبوين بعد بلوغه سن الخامسة عشر وذلك من أجل تكوين شخصية منسجمة النمو ومكتملة التفتح والتي لن تكتمل إلا باحترام علاقاته الشخصية مع أقاربه, وحقه في زيادة الأقارب من جهة الوالدين معا.

فهذا الحق يحد من ممارسة الأبوين لسلطتهما على أبنائهما، لوجود عاملين أساسيين يبرران هذه المقاربة وهما:
-ظاهرة استبعاد الأطفال من محيطهم العائلي، وهذا ضد احتياجاتهم إلى محيط عائلي، ثقافي، اجتماعي يشعرون من خلاله بانتمائهم إلى ثقافتين لهم حقوق وعليهم التزامات نحوها وبالتالي حقهم في الرعاية والتنشئة في هاتين الثقافتين المختلفتين.
-احترام علاقة الطفل بالآخرين خاصة الجد والجدة [4].
لان تنظيم حق الزيارة بين الزوجين يعتبر من أهم الحقوق التي تضمن للطفل الارتباط بمحيطه العائلي والحفاظ على هويته وروابطه الخاصة مع أبويه, وإن كان إنهاء العلاقة الزوجية أمر لابد منه فيجب ألا ينعكس ذلك على وضعية الطفل وحقه في أن يبقى له اتصالات مباشرة مع أبويه معا.
وقد سعت مدونة الأسرة لتفعيل حق الطفل في زيارة أقاربه, بعد أن سمحت للزوجين تنظيم زيارة المحضون باتفاق بينهما، حيث نصت المادة 180 على حق غير الحاضن من الأبوين في زيارة واستزارة المحضون وللأبوين الاتفاق الحبي بينهما على تنظيم هذه الزيارة عن طريق تبليغ هذا الاتفاق الى المحكمة لتضمينه في مقرر إسنادها وتسجيل مضمونه.

وأقرت للمحضون صلة الرحم بأصوله التي يجب أن تستمر حتى بعد وفاة أحد والديه، بحلول جد وجدة المحضون من جهة أي والدي المتوفي في الاستفادة من حق الزيارة.

و يعتبر هذا مظهر حضاري يتم عن وعي كبير بروح المسؤولية وعن بعد النظرالوالدين وحمايتهما لمصلحة الأطفال، حيث يكون المحضون بالأساس هو المستفيد الأول من تلك الزيارة نظرا لآثارها النفسية على سلوكه، فتحديد الزيارة عن طريق الاتفاق بين الزوجين المطلقين يجب أن يكون أصلا، ولا يمكن أن يطالب ذلك التحديد من القضاء إلا بكيفية استثنائية، وفي حالة تعذر الوصول إلى مثل ذلك الاتفاق، انطلاقا من أن الأبوين أحن على الطفل وأحرص على مصلحته من غيرهما [5].

ومن ضمن الالتزامات التي يجب الاتفاق عليها ما يتعلق بتمدرس الأطفال الذين يوجدون تحت الحضانة، فقد تم التنصيص على هذا الالتزام في الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل، وفي المادة 54 من مدونة الأسرة، إضافة إلى ما تضمنه القسم الخاص بأحكام الحضانة، وإن كانت المقتضيات الخاصة بالحضانة لم تتطرق للمقابل المادي للحضانة، فإن المشرع قد اعتبر التعليم للأولاد عنصرا من عناصر النفقة عندما نص أن النفقة تشمل التعليم للأولاد مع مراعاة المادة 168 مما يخضعها مبدئيا لما تخضع له هذه الأخيرة من أحكام خاصة ما يلي:
تحدد المحكمة وسائل تنفيذ الحكم القاضي بالنفقة بما في ذلك الاقتطاع من المنبع وتقرر عند الاقتضاء الضمانات الكفيلة باستمرار أداء النفقة.
-لا يقبل طلب الزيادة في النفقة المتفق عليها أو المحكوم بها قبل مرور سنة إلا في ظروف استثنائية [6].

وإن كان حق الطفل في النفقة لا يقل أهمية عن حقه في الحضانة فقد أحاط المشرع المغربي اتفاق الزوجين على النفقة، بمعايير تهدف إلى حماية حقوق المستفيد من النفقة هذه الحماية تتجلى في تقدير النفقة وإعطائها صفة دين ممتاز إذ نصت المادة 189 من مدونة الأسرة تشمل النفقة الغذاء والكسوة والعلاج وما يعتبر من الضروريات، بالإضافة إلى تكاليف التعليم للأولاد.

ويجب الأخذ أثناء تحديد النفقة الواجبة المعايير التي قررها المشرع والمتمثلة في مراعاة التوسط عند تقديرها ودخل الملزم بها ارتفاعا وانخفاضا، وحال مستحقها ومستوى الأسعار والتقلبات التي تعتريها والأعراف والعادات السائد ة في الوسط الذي تفرض فيه النفقة تحقيقا للغاية من سنها ورعيا لمبدأ لا ضرر ولا ضرار, وذلك من خلال اعتبار تكاليف سكن المحضون من واجبات النفقة وإن كانت مستقلة في تقديرها عن النفقة وأجرة الحضانة.

إن وضع هذه المعايير العامة ستمكن من استيعاب ظروف النفقة، ووضعيتها في دول المهجر واستقبال هذه المقتضيات من قبل القضاء الأجنبي. خاصة بعد أن منحها القانون المغربي صفة دين ممتاز، فسواء تعلق الأمر بنفقة الزوجة أو الأطفال، فقد منح لها صفة دي ممتاز على المنقولات المملوكة للمدين بالنفقة[7].

ومن خلال ما سبق يتضح الطفرة النوعية التي حققها قانون الأسرة المغربي في مجال الاعتراف بحقوق الطفل وذلك على مستوى القوانين العربية التي تعرف غياب الاهتمام بوضعية الطفل سواء أثناء قيام العلاقة الزوجية أو عند انحلالها.

إذ لا نجد في التشريعات العربية أية إجراءات خاصة لصالح الأطفال سواء عند الطلاق عن طريق الاتفاق أو بحكم قضائي، فحتى القانون التونسي الذي يفرض للمطلقة جراية “على قدر ما اعتادته من العيش في ظل الحياة الزوجية لم يتضمن أية أحكام تضمن المصالح المادية والمعنوية للطفل.

والملاحظ أن المشرع المغربي قد واكب ما سارت عليه التشريعات المقارنة في جعل حماية حقوق الأطفال ضابطا على إرادة الزوجين عند الاتفاق على الطلاق مع الأخذ بالاعتبار الوضعية التي يعشها الأطفال الناتجين عن الزواج المختلط في حالة الانفصال.

حيث نص المشرع الايطالي في الفصل 155 من القانون المدني على أن ينظم الطرفين في الاتفاق بشكل واضح الحضانة الممنوح لأحدهم وحق الزيارة الممنوح للطرف الآخر مع إمكانية النص في هذا الاتفاق على منع السفر بالطفل إلى خارج إيطاليا إلا بموافقة الزوجين معا حفاظا على المصلحة الفضلى للطفل في الاحتفاظ بصلات قوية بأبويه طبقا للمادة 9 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.

وتنظيم كيفية استفادة الأطفال من الأموال الممنوحة من قبل المؤسسات الحكومية كالإعلانات الاجتماعية أو التعويضات العائلية، حيث يمكن تحويلها إما لحساب الطرف الذي له حق الحضانة وفي حالة كون الطفل راشدا يتم تحويل المبالغ إلى حسابه (المادة 156 من قانون 1970) [8].

فمن المعلوم أن الآثار المترتبة عن الطلاق تكون منظمة من طرف الزوجين بحيث لا يمكن للقاضي أن يغير أو يتمم الاتفاق الحاصل بين الزوجين على مبدأ التطليق ولكن يمكن له أن يرفض المصادقة على هذا الاتفاق إذا تبين له أن هذا الاتفاق لا يضمن بصفة جدية مصالح الأطفال وحقوقهم كما هي مقررة في المواثيق الدولية والقانون الداخلي وفي مقدمتها :
-نفقة الأولاد التي تشمل التغذية والسكن أو الإقامة وواجبات التعليم مع الأخذ بعين الاعتبار حاجات الطفل المتجددة والمتطورة ومستواه التعليمي ونوع التعليم الذي يتلقاه.

وأن التأخير في أداء النفقة قد يؤدي إلى متابعة الزوج أو الزوجة بجريمة إهمال الأسرة طبقا للقانون الجنائي الإيطالي [9] .
الطلاق الإتفاقي للمغاربة في المهجر وفق مدونة الأسرة
___________________________________________________
[1] – احتفظت مدونة الأسرة بتعريف المدونتين السابقتين للحضانة، بأنها حفظ الولد مما قد يضره والقيام بتربيته ومصالحه، وهو تعريف يجمع بين ما تقتضيه الحضانة من رعاية وتغذية ولباس وفراش ونظافة المحضون، وبين الولاية على نفسه بتربيته وتأديبه وتعليمه، إذ كان يصعب في العديد من الأحوال وضع حد فاصل بين موضوع الحضانة وموضوع الولاية على النفس، فهذان النظامان يقتربان عن بعضهما بل ويتداخلان بشكل غريب لدرجة أن بعض الفقه يخلط بينهما خلطا بينا.
أنظر في هذا الصدد محمد الكشبور “الوسيط في شرح مدونة الأحوال الشخصية” مرجع سابق ص 465.
[2] – الآية 233 من سورة البقرة.
[3] – محمد بن المعجوز. مرجع سابق ص 83.
[4] – Nicole Roy. L’autorité parentale et l’obligation alimentaire des parents envers leur enfant : deux institutions proposant une conception de l’intérêt de l’enfant et de la famille. Revue du Barreau. Tome 61 printemps 2001. p 83.
[5] -محمد الكشبور، أحكام الحضانة. مرجع سابق ص 127.
[6] – نفس المرجع ص 159 – 160.
[7] – عبد المنعم الفلوس، أحكام الأسرة للجالية المغربية بإسبانيا رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي – الرباط – 1995 – 1996 ص 219.
[8] – كما نصت الفقرة الثالثة من الفصل 1288 من قانون الفضائي البلجيكي على أن يتضمن الاتفاق الإشارة وبشكل دقيق ومفصل للقرارات المرتبطة بالأطفال في حالة وجودهم السلطة الأبوية ولإدارة أموال الطفل والحق في العلاقات الشخصية مع الإسهام في نفقة الطفل وفقا لمقتضات المادة 203 من القانون المدني البلجيكي. والتي تخضع هذا الاتفاق لمراقبة القضاء.
[9] – جعفر الفضلي، انقضاء الزواج في القانون الأوربي، مجلة الحقوق الكونية العدد 43 سنة 1997.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.