دور القضاء في حماية مصلحة الطفل بعد الطلاق

دور القضاء في حماية مصلحة الطفل الفقرة الثانية:
لقد أسند المشرع المغربي للقضاء دور تفعيل مقتضيات مدونة الأسرة وجعلها تتلاءم مع الأهداف المتوخاة منها،فقد  فرض قانون الأسرة رقابة لمحكمة على الاتفاق المبرم بين الزوجين، كلما تعلق الأمر بمصلحة الطفل، سواء عند انحلال الرابطة الزوجية أو بعد الطلاق.

حيث نصت المادة 184 من قانون الأسرة أن للمحكمة في جميع الأحوال أن تعيد النظر في إسناد الحضانة إذا رأت مصلحة المحضون تتنافى مع ما تم الاتفاق عليه بالاعتماد على الآليات التي تراها مناسبة لاتخاذ هذا القرار.

ولأن النيابة العامة تعتبر طرفا أصليا في جميع القضايا, فقد منحها المشرع حق تحريك هذه المسطرة إذا تبين لها أن مصلحة المحضون تستدعي ذلك، حرصا على ضمان الاستقرار المعنوي والمادي للطفل بعد الطلاق.

فأقرت بذلك مدونة الأسرة للمحكمة، مراقبة سكن المحضون، الذي يجب أن يفرد له تكاليف مستقلة عن واجبات النفقة وليكون تقديرها لمستوى السكن مستندا على مبررات سليمة، وفي الحالة التي لا تتوفر للمحكمة العناصر الكافية، يمكنها أن تستعين بتقرير يتم إعداده من طرف المساعدين الاجتماعيين حيث نصت المادة 172 “أن المحكمة الاستعانة بمساعدة اجتماعية في إنجاز تقرير عن سكن الحاضن وما يوفره للمحضون من الحاجات الضرورية المادية والمعنوية.

وأمام هذه الرقابة التي تمارسها المحكمة من أجل منح الإذن بالطلاق الاتفاقي بين الزوجين، نجدها تمارس كذلك رقابة بعدية لإلزام الطرفين بتنفيذ اتفاقهما، أو تعديل الاتفاق إذا استدعت الضرورة ذلك، وبهذا ألزم القانون بالإضافة إلى الأب والأم، الأقارب من جهة الأبوين معا وغيرهم بإبلاغ النيابة العامة بكل ما يتعرض له المحضون أو يتهدده من أضرار عند حاضنه, لترفع الأمر إلى المحكمة لاتخاذ الإجراء الملائم بما في ذلك إمكانية إسقاط الحضانة عمن يمارسها.

كما أنه في الحالة التي تستجد فيها ظروف يصبح معها المبلغ المتفق عليه في النفقة أو أجرة الحضانة غير كاف لتلبية حاجيات المحضون [1]. أو أن نظام الزيارة المقررة باتفاق الأبوين ضارا بأحد الطرفين أو بالمحضون، أمكن للمتضرر المطالبة بمراجعة نظام الزيارة بما يتلاءم والظروف الجديدة وللمحكمة كامل الصلاحية لاتخاذ ما تراه ملائما من الإجراءات بما في ذلك تعديل نظام الزيارة وإسقاط حق الحضانة في حالة الإخلال أو التحايل من طرف أحد الزوجين في تنفيذ الاتفاق.

وبهذا يتضح أن المشرع المغربي يضع عبئا كبيرا على عاتق القضاء, يتمثل أساسا في حماية مصلحة الطفل الأمر الذي يتطلب وجود قضاء فعال وعصري متشبع بثقافة حقوق الإنسان وحقوق الطفل خاصة.

وان كان ما ذهبت إليه محكمة الناظور قسم قضاء الأسرة بتاريخ 26 يناير 2004 يخالف فلسفة مدونة الأسرة التي من بين ما تقوم عليه مصلحة الطفل المحضون[2].
عندما قامت بإسقاط حضانة الطفل عن أمه وتسلمه لوالده تحت طائلة غرامة تهديديه عن كل يوم تأخير عن التنفيذ دون مراعاة مصلحة الطفل المحضون في إسقاط الحضانة، إذ اعتبرت أن زواج الأم الحاضنة بأجنبي غير محرم الثابت بمقتضى رسم الزواج الموثق لدى القنصلية العامة بأمستردام ليسقط حضانة المدعى عليها، تطبيقا للمقتضيات القانونية.

إلا أن ما ذهبت إليه المحكمة في حيثياتها بعد أن توفرت لها القرائن التي تبتت زواج الحاضنة الأم وأن المحضون يتجاوز الأثنى عشر سنة كما أنها ليست النائبة الشرعية للمحضون، مما يعني عدم توفر الحالات التي تنص عليها المادة 175 من أجل احتفاظ الأم بالحضانة، تكون قد خرقت مقتضيات المادة 186 “تراعي المحكمة مصلحة المحضون في تطبيق أحكام الحضانة” فهذه المادة تقرر قاعدة أساسية تتمثل في أن تكون مصلحة المحضون فوق كل اعتبار وكان يجب مراعاتها من طرف المحكمة[3].

وبالرجوع إلى حيثيات المحكمة نجد ها لم تولي أي اعتبار لمصلحة المحضون ومدى رغبته في الاستمرار مع أمه، بل إن تجاوز الطفل لسن 12 يستدعي بالضرورة الأخذ برأيه ولو على سبيل الاستئناس.

إذ كان على المحكمة أن تبني قرارها بناءا على مراعاتها لمصلحة المحضون وليس لزواج الحاضنة بأجنبي غير محرم مما يجعل قرارها غير قابل للاعتراف به من طرف القضاء الأجنبي لأنه يتعارض مع مبدأ المساواة بين الزوجين عند الطلاق الذي ترتكز عليه إسناد السلطة الأبوية في التشريعات المقارنة بعد حماية مصلحة الطفل التي يولها القضاء الاعتبار الأول.

فإذا كان القضاء البلجيكي لا يتدخل من أجل مراقبة اتفاق الزوجين إذا تعلق الأمر بتنظيم علاقاتها الشخصية فإن الأمر عكس ذلك عندما يرتبط الاتفاق بحقوق الطفل التي تعتبر حدا للزوجين على الاتفاق، حيث يقف عندها القضاء لبسط رقابته على البنود المتعلقة بالطفل وتعديلها كلما تبين له أن الاتفاق يمس بمصالح الطفل بل إن الحكم بالطلاق الاتفاقي لا يتم إلا بعد تأكد القاضي من صيانة حقوق الطفل على الوجه الأكمل في الاتفاق.

كما أن المحاكم العائلية الألمانية تؤكد انه من مصلحة الطفل أن يحتفظ بعلاقته مع والده وعلى كلا الوالدين أن لا يقوما بأي شيء قد يؤدي إلى إفساد هذه العلاقة أو عرقلة تربية الطفل إذ للمحكمة العائلية سلطة توقيف أو إلغاء حقوق الزيارة في الحالات التي تتضح فيها أن الطفل سيتعرض لأخطار فعلية وفي بعض الحالات الأخرى يمكن للمحكمة أن تصدر قرارا يسند حق الزيارة طالما كانت هذه الزيارة مراقبة من قبلها.

وتسعى المحاكم الألمانية خلال الجلسات للوصول إلى توافق الآراء بين الوالدين والى تحذير هما بان استمرار الخلافات بينهما يؤثر بصفة سلبية على تنشئة وتربية الطفل وعلى أن يتم تنظيم مسؤوليتهما ووجباتهما بالتساوي فيما بينهما[4].

رغم التعديلات التي عرفتها مدونة الأسرة, في إطار تكريس فلسفة المساواة بين الزوجين في الطلاق من خلال مؤسسة الطلاق الاتفاقي, يظل تضارب القواعد المعتمدة في القانون الوطني المغربي للجالية المغربية و القوانين الأجنبية المقارنة, يبرز لنا الصعوبات التي تثار على صعيد الروابط الدولية الخاصة, ذلك أن سيادة مبادئ المساواة والحرية في القانون المقارنة بشكل مطلق وعدم تكريسها التام في القانون المغربي و الذي ينظر إلى المساواة بمنظار التكافؤ في الحقوق والواجبات, يضع من جديد المغاربة المقيمين في المهجر أمام إشكالية التنفيذ.
الطلاق الإتفاقي للمغاربة في المهجر وفق مدونة الأسرة
___________________________________________________
[1] – ذهب قسم قضاء الأسرة بالناظور في حكم رقم 1061 بتاريخ 8 نوفمبر 2004 على مراجعة أجرة الحضانة وسكنى المحضون بعد أن تقدمت المدعية بطلب مراجعة أجرة الرضاع وتحديد تكاليف سكنى المحضون وأجرة الحضانة. اذ اعتبرت المحكمة “….أن طلب الزيادة في أجرة الرضاع غير مرتكز على أي سند قانوني طالما أن الفصل 192 من مدونة الأسرة لا يتحدث إلا عن الزيادة في أجرة النفقة مما ينبغي معه التصريح يرفض الطلب بهذا الخصوص
..وحيث أن أجرة الحضانة على المكلف بنفقة المحضون وهي غير أجرة الإرضاع والنفقة وتستحق ابتداء من تاريخ انتهاء العدة. وحيث أن تكاليف سكنى المحضون على المكلف تحدديها عن النفقة وأجرة الحضانة وغيرها.
وحيث أنه يراعي في تقدير أجرة الرضاع والسكنى حال الطرفين والظروف الاقتصادية وعوائد أهل البلد مع اعتبار التوسط. لهذا تكون المحكمة على صواب في مراجعتها أجرة الحضانة وأجرة سكنى المحضونة بناء على حال الطرفين والظروف الاقتصادية وعوائد أهل البلد” حكم غير منشور.
[2] – حكم غير منشور.
[3] غير أن المسار الذي اعتمدته محكمة الدار البيضاء في التعامل مع قضايا الجالية المغربية في الخارج تتسم بنوع من المرونة حيث ذهب الاجتهاد القضائي إلى محاولة تجاوز الإشكاليات العملية عند تطبيق المدونة من خلال مواكبتها لتطلعات القضاء أجنبي لمقتضيات المدونة.فقد ذهبت المحكمة الابتدائية بالبيضاء قسم قضاء الأسرة الفداء في حكم رقم 1075بتاريخ2004.11.8 الى تخيير الولد بين حضانة آمه أو أبيه وذلك بعد اطلاع هيئة المحكمة على عقد ازدياد الولد وثبت لها بأنه تجاوز الخامسة عشر من عمره. فإنها نظرت إلى اختيار الولد وهل بالفعل يحقق مصلحته رغم أن المدونة تمنح له هذا الحق فان المحكمة اعتمدت في حيثياتها على أن مصلحة المحضون تستدعي الاستمرار مع أمه “وحيث انه باطلاع هيئة المحكمة على عقد ازدياد الولد ثبت لها بأنه تجاوز الخامسة عشر من عمره وحيث انه بعد تخيير الولد مجلسا من قبل هيئة المحكمة اختار العيش مع والدته. وحيث أن المدعى عليه لم يعارض في اختيار الطفل وحيث أن مصلحة المحضون تقتضي استمرار الحضانة للام طبقا للمادة 186 من المدونة.حكم غير منشور
[4] -ابرهارد كارل “حماية الطفل الدولية”رسالة القضاة الاخبارية لمؤتمر مالطة القضائي بشان المسائل عبر الحدودية المتعلقة بقانون الاسرة في الدول المنتمية وغير المنتمية الى اتفاقية لاهي لسنة1980 “سجل خاص”, منشور مؤتمر لاهي للقانون الدولي الخاص الجزء الثامن, خريف 2004 ص 15.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.