التعليق على أحكام دعوى ثبوت الزوجية

التعليق على الأحكام المتعلقة بدعوى ثبوت الزوجية
جاء مثلا في حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة التابع للمحكمة الابتدائية بخنيفرة الصادر في 17 – 06- 2005 حيث جاء في النازلة انه بتاريخ 01 – 03- 2005تقدم المدعيان بطلب واللذان يعرضان فيه أنهما زوجان يتعاشران معاشرة الأزواج وأنهما انجبا خلال هذه الفترة الزوجية الأبناء إلا أنهما تقاعسا عن توثيق زواجهما امام العدول بشكل قانوني لظروف قاهرة، وحيث أن سبب عدم توثيق الزواج كون الطف الثاني كان قاصرا…
وحيث ان ظروف قاهرة حالت دون توثيق عقد الزواج، وحيث يمكن للمحكمة سماع دعوى الزوجية إذا حالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج ويعتمد في ذلك سائر وسائل الإثبات.

وحيث ثبت من شهادة الشهود المستمع إليهم أعلاه قيام العلاقة الزوجية بين الطرفين منذ حوالي 5 (خمس) سنوات “[1]
ومن خلال استقراء هذا الحكم يتبين لنا أن المحكمة بنت حكمها بناء على وجود السبب القاهر الذي حال دون توثيق عقد الزواج والإشهاد عليه وهو كون الطرف الثاني كان قاصرا ، غر أنه بالرجوع إلى مدونة الأسرة نجد أن المشرع المغربي لم يبين مفهوم السبب القاهر الواجب اعتماده في هذا الصدد ، وهكذا يمكن اعتماد المفهوم الذي تبناه القضاء بشأن حالة الاستثناء في إطار المدونة القديمة فنقرر أن السبب القاهر هو كل عقبة مادية حالت دون توثيق عقد الزواج أمام العدلين المنتصبين للإشهاد.
وبصرف النظر عن هذا كله فإن المحكمة لما أقامت حكمها على ما اطمأنت إليه من أدلة منتجة في الدعوى ومنها استدعاء الشهود والاستطلاع إليهم حيث أكدوا جميعا بأن العلاقة الزوجية قائمة بين الطرفين منذ خمس سنوات ونصف سلفت عن تاريخها بولي معروف هو أبو الزوجة وبصداق مسمى قدره 2500 درهم حازه والد الطرف الثاني وباستمرار هذه العلاقة الزوجية بدون انفصام إلى الآن وأنهما أنجبا إبنا والمسمى موحى مما يخلص منه أن ركن الرضا بالزوجية ثابت بإرادة الطرفين ، مما يعني من جهة أخرى أن النكاح قد اشتهر بين الناس وفشا خبره، مما يكفي لثبوته وإن لم يحصل الإشهاد من العدلين وقت انعقاده لأنه ليس بركن في العقد ولا يشترط فيه وإنما هو مندوب كما تقرر لدى شراح ابن عاصم.

وإذا كانت هذه المحكمة قد استندت في حكمها على وجود السبب القاهر الذي أدى إلى عدم توثيق عقد الزواج وقت إبرامه، فإنه في المقابل جاء في حكم صادر عن مركز القاضي المقيم بمولاي ادريس زرهون قسم قضاء الأسرة التابع للمحكمة الابتدائية بمكناس حيث جاء فيه، “…. وحيث أن البحث الذي أجرته المحكمة بغرفة المشورة في موضوع الدعوى والذي تضمن الاستماع إلى عدد من الشهود بصفة قانونية تثبت أن المدعي والمسماة ع ط كانا قد عقدا زواجهما مستجمعا لكل أركانه وشروطه… وبناء عليه فلا يسع المحكمة سوى التصريح بثبوت الزوجية ” [2]
ومن خلال مراجعة هذا الحكم يتبين أن حكم المحكمة غير مبني على أساس بحيث إنها لم توضح لنا ما هو السبب القاهر الذي حال دوت توثيق المدعيان لعقد زواجهما في وقته وبالتالي بنت حكمها فقط استنادا على البحث الذي أجرته المحكمة بغرفة المشورة في موضوع الدعوى والذي تضمن الاستماع إلى عدد من الشهود وذلك بصفة قانونية حيث أتبتوا أن المدعيان كانا قد عقدا زواجهما مستجمعا لكل أركانه وشروطه وفق مقتضيات المادة 10 من مدونة الأسرة [3]، وما يليها هذا فضلا على أن هذه المحكمة لم تبين لنا السبب القاهر الذي بنت عليه حكمها، رغم كون أن إثبات السبب القاهر يعد بمثابة مقدمة أولية لقبول دعوى إثبات الزوجية، حيث بعدم إثبات ذلك السبب يجب التصريح بعدم قبول الدعوى، هذا من جهة .

ومن جهة اخرى فإن المحكمة كانت على صواب، لما حكمت بثبوت الزوجية بين المدعيان رغم انعدام السبب القاهر لأنه يجب التعامل مع هذا السبب بحذر شديد جدا خاصة إذا تعلقت المسألة بالأعراض والأنساب، ومن ثم لا يصح للمحكمة أن تثير انعدام السبب القاهر من تلقاء نفسها، مع استحضار القاعدة المنصوص عليها في المادة 152 من مدونة الأسرة والتي تقضي بأن السبب القاهر يثبت استثناء بالظن لاعتبارات عدة ويبقى السبب القاهر مسألة موضوعية يندرج استخلاصها في إطار السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع أي قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف .
وفي هذا المسار ونفس التوجه نجد جل المحاكم الموجودة بجهة مكناس تافيلالت سارت عليه حيث إنه في حكم [4] صادر عن قسم قضاء الأسرة بمركز الحاجب التابع للمحكمة الابتدائية بمكناس حيث جاء فيه:” بناء على الطلب  الذي تقدم به المدعيان بواسطة نائبهما بتاريخ 14/03/2005 والمؤداة عنه الرسوم القضائية … وحيث نصت المادة 16 من م أ في فقرتها الثانية على أنه:” إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة ”
وحيث إن البحث الذي أجرته المحكمة في غرفة المشورة في موضوع الدعوى الحالية والذي تضمن الاستماع إلى عدد من الشهود بصفة قانونية ثبت منه أن المدعيين كانا قد عقدا زواجها مستجمعا لكل أركانه وشروطه وفق مقتضيات المادة 10 وما يليها من المدونة …. وحيث إنه وبناء عليه فلا يسع المحكمة سوى التصريح بثبوت الزوجية، وتطبيقا للقانون تحكم المحكمة علنيا وابتدائيا وحضوريا بثبوت الزوجية بين ( ع م و ف الو )
وباستقراء هذا الحكم نجد أن هذه المحكمة هي أيضا كغيرها من المحاكم [5] التي ذكرناها اعلاه لم تبين لنا السبب القاهر الذي حال دون توثيق العقد والإشهاد عليه . هذا ويتبين لنا من خلال الأحكام السابقة أن كل من تقدم بدعوى ثبوت الزوجية أمام المحكمة فإن هذه الأخيرة تستجيب لدعواه غير أنه في بعض الاحيان لا يجب الجزم والاعتقاد وهو اعتقاد خاطئ على أن كل من تقدم بدعوى ثبوت الزوجية فإن المحكمة لا تستجيب لهذا الطلب لعدة أسباب نذكر منها: انعدام السبب القاهر، أو عدم وجود الاطفال وهذا هو موضوع الإثبات العلاقة الزوجية، وهي إما وسال إثبات شرعية وتتمثل هذه الوسائل في اللفيف بكل مضامينه ، سواء تضمن شهادة علمية أو بينة سماع أو تقارير متبادلة بين الزوجين وإما غياب وسائل الإثبات المضمنة في قانون الالتزامات والعقود [6]وإما تحكم المحكمة بعدم قبول الدعوى حينما يتخلف المدعي رغم التوصل ولم يدلي بما يفيد ثبوت العلاقة الزوجية، وهذا ما نستشفه من إحدى الأحكام [7] الصادرة عن قسم قضاء الاسرة التابع للمحكمة الابتدائية بمكناس لما حكمت بعدم قبول دعوى ثبوت الزوجية التي تقدم بها المدعي، وجا في هذا الحكم:” حيث التمس المدعي الإشهاد بثبوت الزوجية بينه وبيك ك بنت إ وحيث إن المدعي لم يدل بالوثائق المنصوص عليها في المادة 65 من مدونة الأسرة ، وحيث قررت المحكمة استدعاءه لإجراء بحث معه حول موضوع الدعوى لكن تخلف رقم التوصل وحيث إن هذا الوضع يجعل دعوى المدعي غير مقبولة “.

وباستقراء هذا الحكم يتبين لنا أن ما قضت به المحكمة من عدم قبول الدعوى قد صادف الصواب لان تخلف أحد الاطراف عن حضور الجلسات تعذر معه على المحكمة التاكد من واقعة الزواج التي ادعاها الطرفان وما نوعه الطرف القاهر الذي حال بينهما وبالتالي عدم إبرام عقد الزواج في حينه ومن المؤكد انه لو حضر المدعي وأدلى بما يثبت وجود العلاقة الزوجية ثبت ان هذه العلاقة قد احترمت شروط صحتها بالكيفية المنصوص عليها في المادة 13 من مدونة الأسرة [8]. لكان حكم المحكمة مغايرا تماما به خاصة وان المدعي ادعى أنه انجب من الطرف الآخر ثلاث أبناء وهذا ما جاء به المشرع حيث نص على أنه ” تأخذ المحكمة بعين الاعتبار وهي تنظر في دعوى الزوجية وجود أطفال او حمل ناتح عن العلاقة الزوجية وما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين ”  وهذا ما نستنتجه ضمنيا خاصة إذا تبين لنا أن المشرع يهدف من خلال هذا المقتضى إلى ترجيح جانب المرأة التي ترفع عوى إثبات العلاقة الزوجية، وفي الوقت نفسه حفظ نسب الأطفال او الحمل وبالتالي السماح بإثبات النسب بالظن ق( المادة 152 م أ ) والنتيجة هي الحكم بوجود الرابطة الزوجية بين الطرفين حتى لا تضيع حقوق الزوجة والأبناء وهذا ما لم يحصل مع هذا المدعي الذي تقدم بدعواه لإثبات علاقته الزوجية ولم يدلي بما يفيد ذلك وبالإضافة إلى ما سبق فقد يكون الرجل متزوجا بامرأة ما ويريد الزواج من امرأة ثانية، وربما ثالثة ، وحتى يتهرب من مختلف الإجراءات القضائية التي وضعها المشرع بشأن التعدد والتي ترمي إلى التضييق منه ما أمكن [9] يلجأ إلى رفع دعوى ثبوت الزوجية تحايلا منه على القانون وذلك بإخفائه زواجه الأول وطلب زواجه لثاني عن طريق إعمال مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 16 من مدونة الأسرة، كما جاء مثلا في حكم [10] صادر عن قسم قضاء الأسرة، بمركز الحاجب التابع للمحكمة الابتدائية بمكناس: ” … حيث يلتمس المدعيان بثبوت الزوجية بينهما لكونهما لم يقوما بتوثيق زواجهما. وحيث ثبت من شهادة الشهود المستمع إليهم بمكتب السيد القاضي المقرر أن علاقة الزوجية قائمة بين الطرفين منذ سنة 1997، وأنهما أنجبا خلال هذه الفترة الإبن ( أ) وأن الزوج متزوج بامرأة أخرى وهو ما يؤكده كتاب السلطة المحلية المشار إلى مراجعه أعلاه، وكذا موجب ثبوت زوجية عدد 653/2004  وحيث إنه تعتمد في سماع دعوى الزوجية وسائل الإثبات، إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق عقد الزواج في وقته مع مراعاة وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية… وبذلك تكون علاقة الزوجية قائمة بين الطرفين حسب الفصل أعلاه ويتعين التصريح بثبوتها بينهما “.

ومن خلال مراجعة الحكم الصادر بتاريخ 23/02/2005 ضمن الملف الشرعي بثبوت الزوجية عدد 780/2004 يتضح لنا فعلا بأن الزوج اتخذ دعوى ثبوت الزوجية كوسيلة للتعدد والزواج بأكثر من زوجة واحدة تحايلا منه على المشرع المغربي الذي جعل التعدد مشروط بإذن قضائي يمنح عن طريق حكم بالتعدد بعد دراسة الحيثيات ومدى نجاعة الأسباب التي يدعيها طالب التعدد. ويتضح لنا من خلال استجابة المحكمة لطلب المدعيان أنها كانت أمام موقف صعب، إما الاستجابة للطلب والحفاظ على المركز القانوني للزوجة الأولى باعتبار ان التعدد لا يمكن الاستجابة له إلا بعد استدعاء الزوجة المراد التزوج عليها، وبيان الأسباب التي يعتمد عليها طالب التعدد وإرشاد الزوجة إلى سلوك مسطرة التطليق للشقاق في حالة ما إذا قررت المحكمة الاستجابة لطلب التعدد، أو رفض الطلب وبالتالي ضياع حقوق الزوجة الثانية وضياع حقوق الأبناء وبالتالي الإسهام في الإكثار من التشرد والضياع وظهور مجموعة من الظواهر السلبية والخطيرة في المجتمع كالأطفال المنحرفين وأطفال الشوارع مثلا ، وبالتالي فتح الباب على مصراعيه للفساد والانحراف.
الخطبة والزواج
_________________________
[1] – حكم عدد 2322 صادر عن قسم قضاء الأسرة التابع للمحكمة الابتدائية لخنيفرة بتاريخ 17/06/2005 في الملف الشرعي رقم 05/06/2006
[2] – حكم عدد 347/05 صادر عن قسم قضاء الأسرة بمركز مولاي ادريس زرهون التابع للمحكمة الابتدائية بمكناس بتاريخ 30/03/2005 في الملف الشرعي عدد 772 ج /04/02
[3] -تنص المادة 10 م أ: ينعقد الزواج بإيجاب من أحد المتعاقدين وقبول من الآخر بألفاظ تفيد معنى الزواج لغة أو عرفا يصح الإيجاب والقبول من العاجز عن النطق بالكتابة إن كان يكتب وإلا فبإشارته المفهومة من الطرف الآخر من الشاهدين
[4] – حكم عدد 3466 صادر بتاريخ 06/12/2005عن قسم قضاء الأسرة بمركز القاضي المقيم بالحاجب التابع للمحكمة الابتدائية بمكناس في الملف الشرعي رقم 732/5105 ج [5] -انظر محكمة مولاي ادريس زرهون ، وحكم المحكمة الابتدائية بمكناس
[6] ينص الفصل 404 ق ا ع على ما يلي:” وسائل الإثبات التي يقررها القانون هي:
1-       إقرار الخصم
2-       شهادة الشهود
3-       الحجة الكتابية
4-       القريبنة
5-       اليمين والنكول عليها ”
[7] – حكم 888/2004 صادر عن قسم قضاء الأسرة بمولاي ادريس  زرهون التابع للمحكمة الابتدائية بمكناس بتاريخ 10/11/204 في الملف الشرعي عدد 409ج/04/02
[8] تنص المادة 13 من مدونة الأسرة على أنه:” يجب ان توفر في عقد الزواج الشروط الآتية:
1- أهلية الزوج والزوجة
-2 عدم الاتفاق على إسقاط الصداق 3- ولي الزواج عند الاقتضاء
4-سماع العدلين لتصريح بالإيجاب والقبول من الزوجين وتوثيقه
5 – انتفاء الموانع الشرعية
[9] – انظر المواد 40 إلى 46 من مدونة الأسرة
[10] حكم عدد 267 الصادر عن مركز القاضي المقيم بالحاجب التابع للمحكمة الابتدائية بمكناس بتاريخ 23 / 2/ 2005 في الملف تجت عدد 780/2004

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.