تنازع الاختصاص في القضاء الجبائي في حجز العقارات والمنقول

ثانيا: حسم تنازع الاختصاص في القضاء الجبائي
إن عدم اتساق إجراءات المنازعات الجبائية يعتبر من أهم المشاكل وأشد التعقيدات التي تعرقل السير الطبيعي لهذه المنازعات، ومن هنا فإن أول ما ينبغي التفكير فيه لتكريس العدالة الضريبية هون توحيد الاختصاص النوعي في قضاء المنازعات الضريبية، أو حتى على الأقل تبسيطها وتسييرها وقصد توضيحها ورسم معالمها بكل وشفافية وموضوعية بما لا يدع مجالا للغموض ، وذلك انصافا للمكلفين المخلصين  في الأداء الضريبي وقطعا ولدابر التهرب الضريبي.

ذلك أن اختلاف تنوع الاختصاص المنازعات الجبائية وتعقدها كان وراء خسران الدعاوى بالنسبة لكثير من الملزمين. فإذا كان المتهربون من الضريبة هم المستفيدين على اعتبار أن عدم إنصافي يسبب هذه الإجراءات، لا يوازي ما جنوه من أرباح عن طريق التهرب، ليبقى الخاسر في هذا النطاق هم الملزمون الأوفياء ، غير أن ثقافة الاستثمار المبنية على قصدية الربح من شأنها العمل على انجراف الثابت على مبدأ الوفاء لالتزامه الضريبي.

وفي المجال الضريبي ، الكثير من الحالات كانت محطة جدال واختلاف وتعقيد، على مستوى المنازعات القضائية، إذ يثور تنازع الاختصاص النوعي بين القضاء الإداري والقضاء العادي والقضاء التجاري، مما يعرقل مسار سير دعوى الفصل في النزاع، أو يعصف بحقوق المتقاضين الشيء الذي يرهق كاهل الملزمين خاصة غير المتهربين من أداء الواجب الضريبي.

وفي هذا الإطار سنحاول إثارة بعض الحالات:

1– تنازع الاختصاص في حجز العقارات في حالة عدم كفاية المنقول بين القضاء الإداري والعادي:
تنص المادة 67 من مدونة التحصيل على انه يتم حجز العقارات وبيعها من طرف أعوان التبليغات والتنفيذات القضائية طبقا لأحكام قانون المسطرة المدنية.

فتطبيق هذا النص في بدايته ، خلق تنازعا بين القضاء العادي والإداري، إذ يرى البعض أن الاختصاص يعود إلى القضاء العادي بالإحالة على قانون المسطرة المدنية ، وباعتبار أن هذه الجهة القضائية هي المجال الطبيعي للمنازعات حول العقار.

بينما يرى البعض أن الاختصاص في ذلك يعود إلى المحاكم الإدارية بدليل أن المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية ، تنص على اختصاصها في جميع المنازعات المتعلقة بتحصيل ديون الدولة[1] ، وأن الدين الضريبي هو المستهدف بالأجراء وليس العقار، خاصة وأن المادة 141 من مدونة التحصيل ، تنص على أن تعرض النزاعات التي قد تنشأ عن تطبيق أحكام هذا القانون على المحاكم الإدارية الموجودة بالمكان الذي تستحق فيه الديون العمومية، إضافة إلى أن المادة 7 من القانون رقم 90 – 41 تحيل هي الأخرى على تطبيقات قانون المسطرة المدنية أمام المحاكم الإدارية ، ما لم ينص قانون على خلاف ذلك.

وهنا يرى البعض[2] أن الرأي القائل باختصاص المحاكم الابتدائية في حجز العقارات وبيعها هو الرأي الصائب، على اعتبار ان الأمر يتعلق بمنح الإذن من طرف القضاء بحجز وبيع العقار المملوك للمدين بالضريبة، وذلك بعد التأكد من عدم وجود منقولات أو عدم كفايتها، والشروط الأخرى المتطلبة في تطبيق هذا الإجراء ، وأن المنازعة في مشروعية هذا الإجراء تكون آنذاك أمام المحكمة الإدارية، لأن الأمر يتعلق بمنازعة نشأت بمناسبة تطبيق إحدى إجراءات التحصيل الجبري المنصوص عليها في مدونة التحصيل.

كما أن الرأي القائل باختصاص القضاء الإداري في حجز العقار وبيعه لا يستقيم ولا يصمد في ضوء الإشكاليات التي يمكن أن تطرح على المستوى العملي، ذلك أنه في حالة حجز العقار من طرف أعوان التبليغات والتنفيذات القضائية لدى المحاكم الإدارية ، قد ترفع من جهة دعوى استحقاق فرعية من طرف الغير أمام المحكمة العادية طبقا للفصلين 482[3] و 483 [4]من قانون المسطرة المدنية، وفي هاته الحالة يترتب على دعوى الاستحقاق وقف التنفيذ من طرف القضاء العادي طبقا للفصل 483 من ق م م.

لذلك فالاختصاص بحجز وبيع العقار المحجوز في إطار استخلاص الدين العمومي يجب أن يكون من اختصاص القضاء العادي[5] تفاديا للإشكاليات المرتبطة خاصة بدعوى الاستحقاق الفرعي ولدعاوى بطلان إجراءات الحجز العقاري وآثارها المنعكسة على التنفيذ ، وما يؤكد ذلك هو أن المشرع ومن خلال قانون 97 – 15 نظم وبشكل دقيق دعوى استحقاق المنقول أمام القضاء الإداري دون العقار، مما يعني حتما أنه ترك هاته الدعوى للقضاء العادي باعتباره المجال الطبيعي للعقار.

2– تنازع الاختصاص حول حجز المنقول في إطار مدونة تحصيل الديون العمومية بين القضاء الإداري والعادي والتجاري
يتمتع القابض المالي في إطار تحصيل الديون العمومية عملا بالقانون رقم 97 – 15 بامتياز إيقاع الحجز على منقولات المدين بصفة تلقائية دونما حاجة إلى استصدار أمر الحجز من طرف القضاء.

وفي هذا الإطار، فإذا كان ممكنا للمكتري بصفته مالكا، أو بأي صفة أخرى لعقار أن يعمل بإذن من رئيس المحكمة الابتدائية على إيقاع حجز إرتهاني على المنقولات ضمانا للإكرية المستحقة [6] وهو حجز سابق على حجز أراد إيقاعه مأمور التبليغ والتنفيذ للخزينة العامة، مما يجعل هذا الأخير في مواجهة الدائن المكري إلى أمام المحكمة الابتدائية في إطاري حجز ارتهاني حسب مقتضيات المادة 47 [7] من قانون 97-15 غير أن المكري باعتباره غير مدني للخزينة العامة يمكن أن يؤكد أن تدخل القابض في عملية الحجز لا اساس له قانونيا، مما سيدفعه إلى رفع دعوى إلغاء الدين الضريبي المزعوم أمام القضاء الإداري، ودعوى استعجالية لوقف إجراءات استخلاص هذا الدين مما يثير تنازعا جديا في الاختصاص بين القضاء الإداري والقضاء العادي ، وقد يصبح حتى بين القضاء التجاري إذا خاف صاحب الأصل التجاري ضياع منقولاته وتقدم على إثر ذلك في إطار حجز استحقاقي [8] أمام القضاء التجاري لوضع المنقولات تحت الحراسة تواجهية.

وهكذا ، فتدخل المحاسب المكلف بالتحصيل في إطار المادة 47 المشار إليها في عملية الحجز يطرح إشكالية الاختصاص وذلك عندما يباشر المدين الملزم بالضريبة دعو بين أمام المحكمة الإدارية [9]. الأولى في الموضوع تتعلق ببطلان الضريبة وأخرى استعجالية ترمي إلى إيقاف إجراءات الحجز والبيع إلى حين البث النهائي في الدعوى الأولى، أي دعوى الموضوع، وهي الوضعية التي من شأنها أن تخلق تنازعا في الاختصاص بين القضاء العادي والقضاء الإداري حول الحجر.

3- تنازع الاختصاص حول حجز وبيع الأصل التجاري بين القضاء الإداري والعادي والتجاري:
ينص الفصل 68 من مدونة التحصيل بما معناه أن يتم تنفيذ حجز الأصول التجارية وبيعها وفق للشروط والأحكام المنصوص عليها بمدونة التجارة قانون رقم 95- 15 [10] لكن رغم صراحة النص فيما يتعلق بتخويل الاختصاص للمحكمة التجارية في حجز الأصول التجارية وبيعها وفقا لمقتضيات مدونة التجارة.

فإن البعض يرى أن صياغة الفصل 8 من القانون رقم 90 – 41 [11] التي تمنح الاختصاص للمحكمة الإدارية بالبث في جميع المنازعات المتعلقة بتحصيل الديون العمومية وصراحة الفصل 141 [12] من مدونة التحصيل الذي لم يرد به أي استثناء والذي ينص على اختصاص المحاكم الإدارية في جميع المنازعات التي تنشأ عند تطبيق القانون رقم 97 – 15 والذي يجعل – الفصل 141 – اختصاص حجز وبيع الأصل التجاري قائما للقضاء الإداري دون التجاري، وأن الخطاب موجه لهاته الجهة القضائية بتطبيق إجراءات مدونة التجارة في بيع الأصل التجاري، مع اختصاصاتها للبث في النزاعات حول ذلك، طالما أن المستهدف هو الدين العمومي وليس الأصل التجاري.

وهنا ولفهم مقتضيات الفصل 141 من مدونة التحصيل، يرى البعض [13] على أن هذا الفصل منح الولاية العامة للمحكمة الإدارية بالبث في جميع المنازعات المتعلقة بتحصيل الديون العمومية تكريسا لاختصاصها بذلك كما هو منصوص عليه بالفصل 8 من القانون 90 – 41.

إلا ما استثنى بنص صريح كما هو الأمر في حالة حجز وبيع الأصل التجاري، إذ أسند الاختصاص فيه ومن باب الاستثناء إلى القضاء التجاري، وذلك انطلاقا من الإحالة الواردة في المادة 68 من مدونة التحصيل بوجوب تطبيق مقتضيات مدونة التجارة كلما تعلق الأمر بتنفيذ حجز وبيع الأصل التجاري. وهي في نفس الوقت إحالة على المادة الخامسة من مدونة التجارة التي تسند الاختصاص للمحاكم التجارية بخصوص النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية.

ومع التسليم باختصاص هاته الجهة القضائية دون منازع إلا أن الأمر لا يخلو من بعض الإشكالات فمثلا إذا أقدم القابض على حجز منقولات أصل تجاري لاستخلاص دين عمومي، مما يجعل المدين يقدم دعوى أمام القضاء التجاري لبيع الأصل التجاري برمته تفاديا لضرر نقص قيمته،  وفي نفس الوقت  وخشية بيع منقولاته المحجوزة من طرف القابض المالي في إطار الامتياز المخول إياه على المنقول، تقدم بدعوى إيقاف إجراءات بيع المنقول المحجوز أمام القضاء الإداري، فهل تكون هاته الجهة القضائية مختصة بالبث في الطلب أمام تقديم دعوى بيع الأصل التجاري برمته أمام القضاء التجاري، أم ان هاته الجهة تبقى هي المختصة باعتبار تبعية الطلب للمطالبة ببيع الأصل التجاري ؟

إن هذا الإشكال سوف يطرح تنازعا حقيقيا وجديا للاختصاص بين القضاء الإداري والقضاء التجاري

ونفس الإشكال يطرح فيما يتعلق بمسطرة الإكراه البدني في تحصيل الديون العمومية ، وما تطرحه من تنازع في الاختصاص بين القضاء العادي والإداري.

وهكذا تكثر حالات تنازع الاختصاص القضائي- النوعي- في المنازعات الجبائية مما ينعكس على الالتزام الضريبي، وقد يساهم في التهرب ، ولتفادي هذا الإشكال حري بالمشرع أن يتدخل لحسم الموقف، كما يظل على عاتق القضاء إماطة الغموض واللبس عن طريق المنازعات الجبائية حتى تصبح واضحة خاصة وأن القضاء الإداري يعتبر قضاء إنشائيا لتتكرس بالتالي في ذهن الملزم مدى قدرة القضاء على حماية حقوقه.

ونختم هذه الفقرة بأنه إذا كان مهما الحرص على وضوح المقتضيات القانونية والعمل على تجلية الغموض التي يكتنفها فإن الأهم منه العناية بالأشخاص الساهرين على تطبيق هذه المقتضيات وذلك بالعناية بالقضاة ومساعديهم وذلك عبر تأهيلهم علميا وعمليا ضمانا لإحقاق العدل والإنصاف وكما جاء على لسان محمد الكشبور[14]: ” من الأحسن أن يكون عندنا تشريع سيء ولكن قضاة في المستوى، لا أن يكون لدينا تشريع ممتاز يطبق من جانب قضاة سيئين ، ذلك أن القاضي الجيد يصلح عادة ما علق بالتشريع السيء من نقائص وثغرات وأن القاضي السيء يفسد كل محاسن التشريع الجيد “.
الفقرة الأولى: تيسير المنازعات الضريبية
المطلب الثاني: تفعيل دور القضاء في المجال الضريبي
المبحث الثاني: سبل الحد من ظاهرة التهرب الضريبي
الفصل الثاني: التهرب الضريبي والفعالية الاقتصادية
إشكالية التهرب في القانون الضريبي
________________________________________________________
[1] – عبد الحميد الحنودي، تحصيل الديون العمومية في التشريع والقضاء المغربي، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ، جامعة محمد الخامس  ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط، 2006 ، ص: 244.
[2] – عبدالحميد الحنودي، تحصيل الديون العمومية…. ، م س ، ص : 244.
[3] -تنص المادة 482 من ق م م:” إذا ادعى الغير أن الحجز انصب على عقارات يملكها أمكنه لإبطال الحجز رفع دعوى الاستحقاق.
يمكن رفع هذه الدعوى إلى حين إرساء المزايدة النهائية ويترتب عليها وقف مسطرة التنفيذ بالنسبة إلى الأموال المدعى فيها بالاستحقاق إذا كانت مصحوبة بوثائق يظهر أنها مبنية على أساس صحيح.
[4] – تنص المادة 483 من ق م م:” يجب على طالب الاستحقاق لوقف الإجراءات أن يقدم دعواه أمام المحكمة المختصة ويودع دون تأخير وثائقه، ويستدعي المججوز عليه والدائن الحاجز إلى أقرب جلسة ممكنة لإبداء اعترافهما وإذا اعتبرت المحكمة أنه لا موجب لوقف إجراءات الحجز العقاري كان حكمها مشمولا بالتنفيذ المعجل رغم كل تعرض أو استيناف.
[5] – محمد قصري ،” تنازع الاختصاص بين المحاكم حول مدونة تحصيل الديون العمومية “، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، عدد مزدوج 51 – 52 يوليوز – أكتوبر 2003 ص  23.
[6] – المادة 497 من قانون المسطرة المدنية
[7] – تنص المادة 47 من قانون 97-15 على أن:” إذا وجد مأمور التبليغ والتنفيذ للخزينة عند إجراء حجز أن حجزا سابقا قد انصب على أمتعة المدني القابلة للحجز فإنه يكتفي بجرد المحجوزات بعد الإطلاع على محضر الحجز السابق “.
[8] – الفصول من 500 إلى 503 من قانون المسطرة المدنية.
[9] – عبد الحميد الحنودي: تحصيل الديون العمومية…..،م س،ص: 244.
[10] – القانون رقم 95- 15 المتعلق بمدونة التجارة الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 83-96 – 1 الصادر في 15 من ربيع الأول 1417 فاتح غشت 1996.
[11] – القانون رقم 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية.
[12] – ينص الفصل 141 من مدونة التحصيل:” يعرض النزاعات التي قد تنشأ عن تطبيق أحكام هذا القانون على المحاكم الإدارية الموجودة بالمكان الذي تستحق فيه الديون العمومية “.
[13] – محمد قصري:” تنازع الاختصاص، بين المحاكم حول مدونة تحصيل الديون العمومية “، م س ، ص  23.
[14] – عبدالرحيم حزيكر ” تنوع القضاء المختص في دعوى تحصيل الضرائب ، تكامل أم تناقص ؟ ” المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، عدد مزدوج 62- 63 ماي غشت 2005 ص : 205.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.