أحكام الطلاق الاتفاقي – الفصل الثاني:
إشكالية التنفيذ وآفاق التطبيق
إن أحكام الطلاق الاتفاقي للمغاربة في المهجر تثير عدة إشكاليات على المستوى الدولي ومن ذلك مشكلة تنازع الاختصاص القضائي, التي تقع في نطاق بحث ما تتمتع به الجالية المغربية في المهجر من حقوق.
ومن بين هذه الحقوق الحق في التقاضي, أي الحق في اللجوء إلى محاكم دولة الإقامة, فقد يقضي اعتبار المحافظة على السلامة العامة في الدولة وحماية مصلحة المتقاضين إلى عقد الاختصاص لمحاكمها للنظر في طلب المغاربة المقيمين في إقليمها, لإنهاء رابطتهم الزوجية.
ومتى تبث للجالية المغربية هذا الحق تلاه حق بحث أخر, و هو هل محاكم هذه الدولة مختصة دوليا بدعوى الطلاق الاتفاقي, إن على مستوى قواعد الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية المغربية أو على مستوى قواعد الاختصاص لدولة الإقامة؟وما هي الإجراءات التي يتعين إتباعها في الطلاق الاتفاقي , للنظر والفصل فيها ؟
ولما كان تعيين المحكمة المختصة يسبق تعين القانون الواجب التطبيق, ومادام هذا القانون يتوقف على ما يقضي به قانون القاضي في تكييف العلاقة القانونية وفي الإسناد وفي الإحالة, فان هذه المسائل جميعها قد تختلف من دولة إلى أخرى, و أمكن تصور اختلاف القانون الواجب التطبيق عند المحاكم الأجنبية عنه عند المحاكم الوطنية المغربية.
الأمر الذي يطرح إشكالية التنفيذ أمام القضاء الوطني والأجنبي حول القانون الواجب التطبيق طبقا لقاعدة الإسناد الوطنية, و المحكمة المختصة للنظر في الدعوى, فقد يقضي قانون المحاكم الوطنية بإسناد مسائل الأحوال الشخصية إلى قانون الجنسية بينما يقضى قانون المحاكم الأجنبية بإسنادها إلى قانون الموطن, على أن القاضي الوطني والأجنبي قد يرفض الاعتراف بالحكم الصادر بالطلاق الاتفاقي بين مغاربة, متى تبين أن الحكم الصادر عن المحكمة يتعارض مع النظام العام في دولته, سواء عندما يكون أطراف الدعوى من أفراد الجالية المغربية فقط أو أن الأمر يتعلق بإنهاء رابطة أسرية دولية مختلطة.
و هذا ما سنحاول التعرض إليه من خلال دراسة تنازع الاختصاص القضائي الدولي للطلاق الاتفاقي (المبحث الأول)و إلى إشكالية التنفيذ هذه الأحكام وآثارها على الجالية المغربية في المهجر (المبحث الثاني).
المبحث الأول: تنازع الاختصاص القضائي الدولي للطلاق الاتفاقي
إذا كان المشرع الوطني بامكانه أن يتخلى عن تطبيق القانون الوطني, فانه يصعب عليه أن يتخلى عن سيادة القضاء الوطني, لان أداء ولاية القضاء هو مظهر فعلي للسيادة على إقليم الدولة وأداء لأحدى وظائفها, فلا تقبل في شان رسم حدودها أمرا من المشرع الأجنبي ولا يملك أن يتصدى لتحديد ولاية القضاء لدولة أجنبية.
ولأن التنازع القضائي يخضع لقواعد الاختصاص القضائي والمسطرة حسب قانون المسطرة المدنية المغربية والتشريعات المقارنة, فان المسطرة المتبعة أمام المحاكم تخضع بدورها لقاعدة قانون القاضي لهذا سنتناول دراسة الاختصاص القضائي الدولي في الطلاق (المطلب الأول) على أن نقف على خضوع إجراءات الطلاق الاتفاقي إلى قانون القاضي (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الاختصاص القضائي الدولي في مادة الطلاق
إن هاجس المشرع أو القاضي عند تحديده لاختصاص المحكمة هو تقريب القضاء من المتقاضين وتمكين هؤلاء من فض نزاعاتهم في أقرب وقت ممكن بالوسائل الأقل تكلفة في إطار الاحترام التام لسيادة دولة القاضي أو المشرع الذي ينفرد بتحديد الاختصاص القضائي لمحاكمه الوطنية.
ونظرا للدور الذي أصبح يلعبه مبدأ سلطان الإرادة في الروابط الدولية الأسرية الخاصة, فان المشرع المغربي منح حرية للزوجين في تنظيم كل ما يرتبط بالطلاق الاتفاقي, ولكن هل يمكن الحديث في إطار قواعد الاختصاص القضائي المغربي على إمكانية الاتفاق بين الزوجين علىإسناد الاختصاص لغير المحاكم المغربية؟
الأمر يستدعي دراسة تحديد اختصاص المحاكم المغربية بقضايا الطلاق الاتفاقي على المستوىالروابط الأسرية الدولية الخاصة (الفقرة الأولى) ومدى إمكانية تجاوز هذا الاختصاص بالاتفاق بين الزوجين (الفقرة الثانية).
الطلاق الإتفاقي للمغاربة في المهجر وفق مدونة الأسرة