I – وهم حرية الإعلام في الولايات المتحدة
1 – الرقابة الإعلامية في أمريكا ونتائجها السلبية
أ – الرقابة الإعلامية في أمريكا
لقد انتهى ذلك العصر “الذهبي الذهبي” الذي عايشته الصحافة الأمريكية في تغطيتها لأحداث الحرب في بورث آرثر ، ولم يعد احد يذكر الآن هواجس مراسل صحيفة ديلي ميل، وهو يغطي معارك الحرب الأهلية الأمريكية حين قال ” إن خوض ****في أنه لن يكون في إمكان الولايات المتحدة الأمريكية مواجهة الحقيقة التي تذكر بهذا الشكل[1]”.
وقد تأكد ذلكن بعد أن طورت أساليب الرقابة المباشرة وغير المباشرة المفروضة تحت مظلة فضفاضة عن حرية الصحافة المزعومة في الولايات المتحدة، وظهرت على مدى سنوات طويلة مصطلحات سياسة – إعلامية عديدة الهدف منها فرض الرقابة على وسائل الإعلام، وسادت مفاهيم مثل” المصلحة القومية الطاغية تتقدم على حرية الصحافة ” ومصطلح الحقيقة” هي ملك للقضية الوطنية، ولا يجوز للصحافة التلاعب بها لأغراض الإثارة وقد طورت تلك المقولات إلى أساليب ميدتنية استخدمت بشكل عملي في حرية كوريا وفيتنام، وتدخلت الرقابة العسكرية تحت ضغط الأجهزة الحكومية الرسمية لفرض رقابة مسبقة على رسائل المراسلين الحربيين في ميادين المعارك[2] .
وفي استجواب أجرته ليلى أبو زيد مع صاحبة برنامج تلفزيوني في محطة روشتر مينيسوتا قالت وهي تبتسم: ” والآن دعينا نتكلم عن الوقاية في بلادك” وأسقط في يدها وقالت وقد غابت ابتسامتها ” تقصدين ان هناك رقابة على الإعلام في أمريكا ” قلت ( ليلى) ” هل أريكم جثث قتلى الغزو الإسرائيلي للبنان؟ “، المحطات الرئيسية تغزو ذلك للرقابة الإسرائيلية لما تكون هي التي تفرض رقابتها على المراسلات[3]”.
إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تتوقف يومان منذ بداية التسعينات من القرن الماضي في إيذاء العراق وحصارهن وتجويع شعبه وتدمير مكامن حضارته وعمرانه، في ” غلطة” مقصودة من جانب وسائل إعلامها ووسائل إعلام حلفائها[4].
وإذا كانت الولايات المتحدة قد قادت وبشكل مبكر حملة تحرير الصحافة والقضاء على احتكار وسائل الإعلام، الذي تجده مصدرا كبيرا يهدد الديمقراطية والتعددية السياسية، فإننا نجدها اليوم تكسر تلك المفاهيم والمبادئ عندما أقرت لجنة الاتصالات الفيدرالية ( في يونيو 2002 ) السماح لشركة واحدة امتلاك عدد من المحطات الإذاعية الأمريكية، بينما كان الحد الأقصى للملكية المسموح بها لشركة الواحدة هو 35 %[5].
وأمام ذلك كرست سياسة فرض الرقابة المسبقة على الإعلام، وذلك كله قاد لاحقا إلى ما نراه اليوم من فرض سيطرة حكومية ” فيدرالية” على أجهزة الإعلام كله برزوا في الحملة العسكرية الثانية ضد العراق في 20 مارس 2003، وفي التعامل مع الأحداث الداخلية في العرق، وأبرزها تصاعد الرفض والمقاومة الوطنية المسلحة ضد الاحتلال، وفي أسلوب تناول الحملة على العراق قبل أنة تشن بثلاث سنوات تقريبا حيث بدأت وسائل الإعلام الأمريكية بأكبر عملية تسويق ” شيطانية” القيادة العراقية والنظام السياسي في العراق[6].وقد رافقتها حملة لحشد التاييد داخل مجلس الأمن، وفي إطار الدول الحليفة للولايات المتحدة داخل أوربا وخارجها. ومن هنا بدأت خطوات تنظيم العمل الإعلامي بالاستفادة من تجارب حرب فيتنام وبانما، وحرب الخليج الثانية عام [7]1991 .
وتعتبر الحرب على العراق هي الحرب الأكثر إعلامية في تاريخ الحروب البشرية، إلى درجة وصلت فيها التحضيرات للحرب ضد العراق إلى أن تمثل نسقا متواصلا داخل اغلب المؤسسات الإعلامية الرئيسية في أمريكا وتحت شعار ” قد يبدو مستعار في الذاكرة العربية” لا صوت يعلو فوق صوت المعركة التي تجسد في مقولة المذيع الأمريكي المشهور ” بل لويلي” على شاشة قناة ” فوكس بنوز” التي تعد القناة الأكثر تغييرا عن توجهات الإعلام الأمريكي عندما قال ” يوم ستبدأ الحرب ضد صدام حسين، فإننا نتوقع من كل أمريكي أن يساند جنودنا، وإلا فليخرسن فأنا سأعتبره عدوا لكل أمريكي بشكك في جيشنا[8]”.
الإعلام الأمريكي وتضليل الحقائق
_____________________________
[1] : صباح ياسين: ” احتكار الإعلام في السياسة الأمريكية الحرة ….الا في الحقيقة ” سلسلة المستقبل العربي 34. مركز دراسات الوحدة العربية ص 92 .
[2] : نفس المرجع، ص 92.
[3] : ليلى أبو زيد: ” أمريكا الوجه الآخر”، ط 2 1991 ص 58 .
[4] : يحيى اليحياوي: ” أوراق في التكنولوجيا والإعلام والديمقراطية ” ، دار الطبعة بيرون ط 1 يناير 2004 ص 68 .
[5] : صباح ياسين : مرجع سابق ص 93.
[6] : آي وركنغتون وآخرون ، العراق الغزو والاحتلال المقاومة : شهادات من خارج الوطن ، الوطني العربي، سلسلة كتب المستقبل قبل 27 بيروت مركز دراسات الوحدة العربية 2003.
[7] : صباح ياسين: مرجع سابق ص 96.
[8] : صباح ياسين مرجع سابق، ص 96 انظر مقالات جورج طريشي في “الحياة ” 21 – 12 – 2003 .