مدى قابلية القيم المنقولة للتنفيذ عليها جبرا – المطلب الثاني:
بعد تعريف كل نوع من أنواع القيم المنقولة والتعرض لخصائصها (خصائص القيم المنقولة) ، يتم التطرق في هذا المطلب لإمكانية تداول كل ورقة من الأوراق المالية (القيم المنقولة) بصورة تجعلها محلا للتنفيذ الجبري في ضوء الشروط التي تم ذكرها والتي يجب توافرها في هذا المحل.
إن كل من الأسهم وسندات القرض وشهادات الاستثمار هي أوراق مالية قابلة للتداول، أي يمكن التصرف فيها، وبالتالي يمكن الحجز عليها باعتبارها حقوقا مالية ترد على شيء، فهي أموال منقولة تخضع للحجز من قبل الدائنين.
وسيتم تقسيم هذا المطلب إلى ثلاث فقرات :الأولى لمدى إمكان التنفيذ على الأسهم، والثانية للتنفيذ على سندات القرض، والثالثة للتنفيذ على شهادات الاستثمار.
الفقرة الأولى: مدى إمكانية التنفيذ على الأسهم
تعتبر شخصية الشريك في شركات الأموال، متميزة عن شخصية الشريك في شركات الأشخاص، حيث إنه في هذه الأخيرة، لا يجوز للشريك أن يتنازل عن حصته في رأسمال الشركة للغير إلا بعد موافقة باقي الشركاء، في حين أن شركات المساهمة يجوز لمالك الأسهم أن يتنازل عن أسهمه للغير بدون أخذ موافقة باقي المساهمين ودون أخذ موافقة الشركة.
ذلك أن تداول الأسهم لا ينقص من حقوق دائن الشركة، على اعتبار “أن المساهم الذي يبيع أسهمه لا يحصل على قيمة الأسهم من الشركة، وإنما ممن اشترى الأسهم من هذا الأخير، والذي يحل بدوره محله، وعليه فإن رأسمال الشركة يبقى ثابتا لضمان حقوق دائني الشركة[1].
وبناء على ذلك، تعد من أهم الخصائص التي يتمتع بها السهم الصادر عن شركة المساهمة قابليته للتداول. والقانون المغربي رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة نص على عملية التداول هاته في المادة الأولى منه وجاء فيها: “….يقسم رأسمالها إلى أسهم قابلة للتداول” ولقد سار على نفس النهج، القانون المصري وقانون الشركات التجارية الإماراتي وقانون الشركات الفرنسي[2].
ويتم تداول أسهم شركات المساهمة، بطرق مبسطة وسريعة الانتقال وهي تختلف عن طرق الانتقال في الميدان المدني، ويظهر ذلك بوضوح عند المقارنة بين طريقة الانتقال طبقا لقواعد القانون التجاري، وبين طريقة انتقال الحق بموجب أحكام حوالة الحق التي نص عليها القانون المدني، فالبنسبة للطريقة الأخيرة لابد من اتباع إجراءات الحوالة التي وردت أحكامها في المواد (211-216 من قانون الالتزامات والعقود المغربي).
ويعتبر تداول الأسهم بكامل الحرية، الأداة القانونية الأساسية التي تميز طبيعة شركة المساهمة، فإذا فقدت الأسهم طابع التداول، فإن الشركة ستفقد صفة المساهمة، الأمر الذي دفع “محكمة النقض الفرنسية إلى أن تقرر بتاريخ 10 أغسطس 1887 بأن التنصيص في النظام الأساسي على عدم قابلية الأسهم للتداول يزيل عنها صفة المساهمة، وأن التنصيص في عقد إحدى شركات الأشخاص على قابلية الأنصبة “أو الحصص” للتداول يجعلها شركة مساهمة مختلفة التأسيس”.
وبناء عليه، فان شركات المساهمة، بفعل الأداة القانونية الأساسية التي تتميز بها، أصبحت تحتل مكانة مميزة في الحياة الاقتصادية للدولة، والدليل على ذلك هو تزايد نطاقها المستمر في الواقع العملي، ذلك أن من أهم أسباب أهمية هذه الشركة دورها الواضح في تحريك المذخرات الوطنية في مجالات استثمارية مهمة، فضلا عن أن شركات المساهمة تستحوذ على المشروعات الضخمة التي تتطلب رؤوس أموال كبيرة، بحيث يعجز الفرد العادي عن تقديمها، لذا يتبع في تكوين رأسمال هذه الشركات “أسلوب الاكتتاب”1.
والملاحظ أنه بفعل الارتباط القوي بين شركات المساهمة القائم على الاعتبار المالي وبين سوق البورصة التي تشكل بدورها آلية هامة من آليات تجميع الموارد المالية وتوظيفها في المشروعات الاستثمارية بواسطة اقتناء الأفراد “للأسهم”، اتخذ المشرع إجراءات إيجابية تصب في مصلحة شركة المساهمة والمساهمين، ويتمثل ذلك في جعل الأسهم قابلة للتداول، حتى بعد حل الشركة إلى حين قفل التصفية طبقا لما ورد في المادة 250 من القانون رقم 17.95.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي قد حدد الفترة التي تبدأ فيها حرية تداول الأسهم سواء كانت أسهما نقدية أو عينية، تداولا لا يمكن أن يتم إلا بعد تقييد الشركة في السجل التجاري أو تحقيق الزيادة في رأس المال.
أما فيما يتعلق “بالأسهم المقدمة من طرف الشركة المسعرة أسهمها في سوق البورصة”، مقابل حصة عبارة عن سندات مسعرة هي الأخرى في سوق البورصة، “فتكون قابلة للتداول” فورا طبقا لما ورد في (المادة 249 من القانون رقم 17.95). علما بان انتقال الأسهم المسعرة في سوق البورصة، لا يتم بحرية مطلقة وإنما هنالك إجراءات حددها القانون يجب التقيد بها، ومن المعلوم أن المشرع المغربي أدخل التعديل الجوهري للنظام القانوني لتداول القيم المنقولة “الأسهم” (بمقتضى القانون رقم 35.96 المتعلق بإحداث وديع مركزي وتأسيس نظام عام لقيد بعض القيم في الحساب).
1-هناك من عرف الاكتتاب بانه”تصرف قانوني يلتزم المكتتب بمقتضاه بانه يقدم مبدئيا مبلغا حصة في الشركة تساوي مبلغ او قيمة سهم او عدد من الاسهم التي يحملها” .”للمزيد من الايضاح في هذا الموضوع راجع”احمد شكري السباعي”الوسيط في الشركات والمجموعات ذات النفع الاقتصادي, شركات المساهمة”
وبموجب هذا التعديل، أصبح تمثيل الأسهم المسعرة في سوق البورصة، يتم بتقييدات في حساب فقط تمسكه الشركة المصدرة لفائدة مالك الأسهم إن كانت الأسهم إسمية، أو يمسكه الوسيط المالي إن كانت الأسهم للحامل.
وعلى إثر هذا التحول، أصبح التداول في سوق البورصة لا يتم إلا عن طريق التحويل من حساب إلى حساب[3]. ويتم إبرام مختلف العمليات بواسطة الوسطاء الماليين “شركات البورصة” المعتمدين من طرف السلطات العامة الذين يتلقون –أوامر البيع أو الشراء- ويقومون بنقل الأوامر إلى سوق البورصة وبتداولها داخل السوق المذكور.
وعلى العكس من الحداثة التي أدخلت على النظام القانوني لتداول الأسهم في المغرب والتطور الذي عرفه، نلاحظ أن العديد من التشريعات العربية ومن ضمنها التشريع المصري والأردني، مازالت تعتمد على الأساليب التقليدية في التداول.
فالتشريع الأردني مثلا، يعتمد في تداول الأسهم داخل البورصة على “نظام الألواح” لغرض عرض أوامر الشراء أو البيع وتنفيذها، وتبرم المعاملات داخل “سوق عمان المالي” بواسطة الوسطاء الماليين المعتمدين من طرف الحكومة[4] الذين يتصرفون بالنيابة عن المستثمرين لإتمام العمليات داخل سوق البورصة، وعليه يعطى لكل وسيط مالي نموذج خاص مطبوع للتفويض ملزم للعميل، ذلك أنه يعتبر أن العميل اطلع على جميع المعلومات الواردة في هذا التفويض، ويجب على كل وسيط مالي أن يثبت أن بحوزته تفويضا من عميله ويتضمن التفويض (اسم الشركة –تحديد العملية “بيع أو شراء”- عدد الأسهم).ولذلك توجد في سوق عمان المالي، نماذج لعقود البيع والشراء لإتمام عمليات التداول، فعلى المشتري فور تنفيذ أمره أن يسجل التعاقد على كشف خاص يسمى “كشف القائمة” يكون معتمدا من السوق الذي يبين من خلاله معلومات عن الشركة المصدرة للأسهم وعدد الأسهم المشتراة، والقيمة السوقية للأسهم واسم الوسيط المالي وتوقيعه. ويسلم الكشف بعد ذلك إلى الموظف المسؤول في القاعة، وعلى الوسيط المالي فور تنفيذ أمر البيع على اللوحة أن يقوم بتعبئة “عقد القائمة”، ويرفق هذا الأخير مع شهادة الأسهم المبيعة، ويلتزم الوسيط البائع بتثبيت ختمه وتوقيعه، ويقوم المشتري بالتوقيع على العقد، ويضع عليه ختم سوق عمان المالي، ويشير من خلاله إلى موافقته على العملية بعد تمام دفع المشتري للسوق الرسوم[5] والطوابع والعمولة التي يستوفيها السوق من البائع والمشتري”.
وعلى نفس النهج تقريبا ذهب المشرع المصري بتقرير النظام القانوني التقليدي لتداول الأسهم داخل البورصات المصرية، “عن طريق نقل ملكيتها بطريق القيد في سجلات الملكية، تمسكها الشركة المصدرة في مقرها الرئيسي، وذلك بناء على إقرار يقدم إلى الشركة، يتضمن اتفاق المتنازل والمتنازل إليه عن الأسهم وتحمل ورقة الإتفاق توقيع كل من الأطراف “البائع والمشتري” بعد مراعاة الأحكام القانونية المقررة لتداول الأوراق المالية”، ويكون تنفيذ أوامر البيع والشراء في المكان والمواعيد التي تحددها إدارة البورصة[6]، ويجب عرض هذه الأوامر بطريقة تكفل العلنية ويتم تنفيذ جميع العمليات داخل البورصة بواسطة الوسطاء الماليين.
والملاحظ أنه قد تم مؤخرا في مصر إنشاء شركات مرخص لها بنشاط الحفظ المركزي أو إدارة سجلات الأوراق المالية، تتولى حفظ الأوراق المالية وإعطاء المالكين وثائق بدلا منها من أجل التيسير في التعامل بها.
أما عن تداول الأسهم للحامل في البورصات المصرية، فبقيت تستخدم الطريقة التقليدية المطبقة عليها قاعدة “الحيازة في المنقول سند للملكية”، وبالتالي تصبح حيازة الصك دليلا على ملكية الحق الثابت، طبقا لما ورد في (المادة 100 من اللائحة التنفيذية لقانون سوق المال لسنة 1992 المصري) التي نصت على أن ملكية الورقة المالية لحاملها تنتقل بانتقال حيازتها.
هكذا إذن أصبح التداول في سوق البورصة يتم بالتحويل من طرف شركات البورصة المعتمدة من طرف السلطات العامة، وذلك بناء على أوامر للبيع والشراء يتم إصدارها من طرف مالكي هذه الأسهم.
وإذا كان هذا هو الأصل، قابلية الأسهم للتداول، وإمكانية التنفيذ عليها، إلا أن ذلك لا يمنع من وضع قيود ترد على هذا الأصل العام سواء كانت قيودا قانونية،(أولا) ينص عليها المشرع ويقررها رغبة منه في حماية المصلحة العامة، أو كانت هذه القيود اتفاقية(ثانيا) يقررها المؤسسون ويوافق عليها المكتتبون في النظام الأساسي شريطة ألا تصل هذه القيود إلى حد إلغاء حق المساهم في تداول أسهمه.
التنفيذ الجبري على القيم المنقولة
___________________________________
[1] – عصام عبد الله ملحم: البورصة وعملية تداول الأسهم، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، السنة الجامعية: 2005-2006.ص144.
[2] – القانون المصري رقم 159 لسنة 1981 في مادته الثانية، ولائحته التنفيذية في مادتها 139 والمادة 154 من قانون الشركات التجارية الإماراتي، والمادة 271 من قانون الشركات الفرنسي رقم 573 لسنة 1966.
[3] – عمر العسري: “دليل مصفق بورصة القيم المنقولة بالدار البيضاء، مطبعة فضالة، ط2000، ص81.
[4] – فوزي محمد سامي: “شرح القانون التجاري”، الجزء الرابع، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان 1997.
[5] – فوزي محمد سامي: “الشركات التجارية والأحكام العامة والخاصة”، م.س، ص90.
[6] – عصام عبد الله ملحم: البورصة وعملية تداول الأسهم.م.س.ص148.