تعريف وتقديم حول النسب إثباته ونفيه
اهتم الإسلام اهتماما كبيرا بالنسب، ونبه القرآن الكريم الإنسان إلى ما في النسب من فوائد وفي ذلك يقول تعالى:” هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا “[1] إن هذه الآية تنبه الإنسان إلى مظهر من المظاهر التي تدل على عظيم قدرته تعالى فخلق من الماء بشرا هو آدام وزوجته ثم جعله يتكاثر عن طريق التناسل الذي يتم أثناءه التلاقح بين النطفة التي يحتوي عليها ماء الرجل ( المني) وبين البويضة التي تكون في رحم المرأة وبعد تمام مدة الحمل الذي يتصور فيه الجنين المتكون بقدرته تعالى من النطفة والبويضة يخرج إلى الدنيا في أحسن تقويم لتكاثر ويملأ الأرض، وتتكون منه شعوب وقبائل [2].
ومن القواعد التي تنظم النسب في الإسلام هو انتساب الإنسان لأبيه لأنه ثمرة الزواج المقدس وقد ذكر القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى:{ وعلى المولود له رزقهن وكستوتهن بالمعروف } [3]
لقد نظم المشرع المغربي النسب ووسائل إثباته في الباب الثاني من القسم الأول من الكتاب الثالث وخصص له 13 مادة من 150 إلى 162 فعرف النسب بأنه لحمة شرعية بين الأب وولده تنتقل من السلف إلى الخلف[4] ثم حدد اسباب لحوقه على سبيل الحصر في الفراش والإقرار والشبهة[5] ووبين وسائل اثباته وهي الفراش – إقرار الأب المادة العدلين – بنية السماع ثم أضاف إليها عبارة كل الوسائل الأخرى المقررة شرعا بما في ذلك الخبرة القضائية[6] وهذا هو الجديد في مدونة الأسرة مع مدونة الأحوال الشخصية الملغاة[7]
إن المشرع باتخاذه هذا المنحى المحمود والمرن في تعامله مع وسائل إثبات النسب يجعل الخبرة الطبية من ضمن الإثبات يكون بموقفه هذا مطابقا لقاعدة فقهية راسخة تقوم على أن الشرع تشوق للجوق النسب، وأمام صعوبة معالجة موضوع النسب من جميع نواحية أثرنا أن نقتصر على دراسة إثبات النسب ونفيه بالتحاليل الطبية من خلال المحاور التالية:
1-حالات إثبات النسب بواسطة الخبرة الطبية
2-الإشكاليات العملية المثارة بشأن إمكانية اللجوء للخبرة في إثبات ونفي النسب
أولا: حالات إثبات النسب بواسطة الخبرة الطبية
الإثبات لغة هو تأكيد الحق بالبينة يقال ثبت الأمر عنده وتأكد وأثبت الحق أكده بالبينات وفي لغة القانون الإثبات إقامة الدليل أمام القضاء بالطريقة التي يحددها القانون لتأكيد حق متنازع فيه له أثر قانوني [8].
وقد نصت المادة 158 من مدونة الأسرة على أن النسب يثبت
1-بالفراش: أجمع فقهاء الشريعة الإسلامية على أن النسب يثبت بالفراش كما أكدوا على ان الفراش يثبت بالزواج وقد اعتمد المشرع المغربي هذه القاعدة على نصوص المدونة ( 8 مكرر ) وتجدر الإشارة إلى ان النسب يثبت بالزواج الصحيح والزواج الفاسد الزواج الباطل [9].
2-الإقرار: هو ما يطلق عليه فقهاء الاستلحاق وعرفه ابن عرفه بقوله:” ادعاء المدعي أنه أب لغيره [10] . وقد نظمه المشرع من خلال المواد 160-161-162 من مدونة الأسرة .
3-الشبهة: كما لو أن رجلا وجد امرأة نائمة على فراشه فاعتقد أنها زوجته فجامعها ثم ولدت ولدا، والشبهة التي يثبت بها النسب إما شبهة الملك كمواقعة أب جارية ابنه ظانا إباحتها له ، وأما شبهة العقد كما إذ تبين أن المدخول بها أخته من الرضاع أو شبهة الفعل كمن يتبين له بعد أن دخل بمن ظنهما زوجته أنها ليست له [11].
4-شهادة العدلين: تعتبر شهادة الشهود حجة كافية في إثبات النسب [12] والقاعدة العامة المعمول بها في الفقه المالكي هو أن شهادة الشهود التي يثبت بها النسب هي شهادة رجلين أو شهادة رجل وامرأتين ويجب في الشاهد أن تتوفر فيه شروط أجملها ابن عاصم الغرناطي بالكيفية الآتية:
وشاهد صفته المرعية تيقظ عدالة حرية
والعدل من يجنب الكبائر ويتقي في الغالب الصغائر [13]
5-شهادة السماع: جعل المشرع بنية السماع ضمن وسائل إثبات النسب من خلال مقتضيات المادة 158 من م أ ويقصد بشهادة السماع من الناحية الفقهية، إخبار الشاهد أمام القضاء أنه قد سمع سماعا فاشيا أم فلانا ابن فلان يقول صاحب التحفة في هذا المجال:
وأعملت شهادة السماع *** في الحمل والنكاح والرضاع.
واشترط فقهاء المالكية لصحتها خمسة شروط أساسية الاستفاضة السلامة من الريبة أداء اليمن تزكية لهما ثم طول الزمن وألا يتعلق الأمر بنقل شهادة
1- الخبرة الطبية: وهي من المزايا الكبرى لمدونة الأسرة لما اعتبرتها من ضمن وسائل الإثبات الأخرى المقررة شرعا ، فما المقصود بهذه الخبرة ؟
فهناك من وضع تعريفا لها بانها الصفات الوراثية التي تنتقل من الأصول إلى الفروع والتي من شأنها تحديد شخصية كل فرد عن طريق تحليل جزء من حامض ADN الذي تحتوي عليه خلايا جسدة بشأنها بالنسبة لتعريفها العلمي:” التركيب الوراثي الناتج عن فحص الحمض النووي لعدد واحد أو أكثر من أنظمة الدلالات الوراثية “.
وخلاصة القول أن البصمة الوراثية: دائمة ثابتة ومستقرة لكل شخص يمكن استخراجها من أية خلية في الجسم لتحليلها 50 % من هذه المادة مصدرها الأب والأخرى مصدرها الأم، وكلما اقتربت الصلة كانت البصمة أكثر تشابها بين الأفراد [14].
وفي إطار مدونة الأسرة فإن المشرع المغربي لم يعد يحيل في مجال إثبات النسب على الفقه الإسلامي أو على البنية الشرعية فقط حسب ما كان عليه في المدونة الملغاة بل أصبح يشير إلى الخبرة أو الخبرة القضائية وذلك في الحالات التالية ثبوت الزوجية نفي النسب، إثبات النسب.
ألفصل الثالث : الولادة و نتائجها
المطلب الأول: ثبوت ونفي النسب
الأحكام المتعلقة بثبوت ونفي النسب
الخطبة والزواج
_________________________
[1] – سورة الفرقان ، الآية 54.
[2] الدكتور محمد بن المعجوز:” أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية وفق مدونة الأحوال الشخصية ” الجزء الثاني ، الطبعة الأولى ، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، ص 14.
[3] – سورة البقرة الآية 233.
[4] – المادة 150 من مدونة الأسرة
[5] المادة 152 من مدونة الأسرة
[6] – المادة 158 من مدونة الأسرة
[7] – نص الفصل 89 من مدونة الاحوال الشخصية الملغاة على ما يلي:” يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو بينة السماع بأنه ابنه ولد على فراشه من زوجته ) والجديد في مدونة الأسرة هو ان المشرع أضاف الخبرة الطبية إلى باقي وسائل الإثبات الأخرى بخصوص إثبات النسب على المادة 158 أو نفيه حسب مقتضيات المادة 153.
[8] – ادريس العلوي العبدلاوي:” وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي ” طبعة 1971
[9] – المادتين 57 و 59 من مدونة الأسرة يكون الزواج باطلا إذا اختل فيه ركن الأيجاب والقبول أو إذا وجد بين الزوجين أحد الموانع المنصوص عليها في المواد 35 إلى 39 أو إذا انعدم التطابق بين الإيجاب والقبول ويكون فاسدا إذا لم تتوفر في الصداق شروطه الشرعية، ا إذا كان الزواج في المرض المخوف أحد الزوجين أو إذا قصد الزوج بالزواج تحليل المثبوتة لمن طلقها ثلاثا أو إذا كان الزواج بدون ولي في حالة وجوبه.
[10] – الشيخ الرصاع: شرع حدود ابن عرفة المالكي
[11] – قرار المجلس الأعلى عدد 23 صادر بتاريخ 31 / 10/ 1967 منشور ضمن مجموعة قرارات المجلس الأعلى مادة الأحوال الشخصية 1965 – 1986 صفحة 108.
[12] – يقول ابن عاصم الغرناطي ففي الزنا من الذكور أربعة * وما وعدا الزنا ففي اثنين سعه
[13] – يوسف فلالي محسن:” نظرية الإثبات بالشهادة في الفقه الإسلامي وتطبيقاتها القضائية ” بحث نهاية التمرين بالمعهد الوطني للدراسات القضائية
[14] – بحث على موقع الانترنيت ، يتكون من 25 صفحة . www.harun.yahy.com
Science naturelles terminale D collection CH désire bordas 1974
– المفيد في علوم الحياة والأرض مصادق عليه من طرف وزارة التربية الوطنية كتاب مدرسي لتلاميذ السنة الثانية من التعليم الثانوي الإعدادي
من الكفالة إلى التبني
(من التمييز إلى الإدماج)
التبني هو جعل طفل بمثابة الولد وترتيبه بجميع الحقوق المادية والنفسية . والتبني هو عملية إخراج الطفل من المرحلة البهيمة إلى الإنسانية بفضل التربية على القيم وإدماجه في المجتمع بمنحه الهوية الثقافية والإدارية دون تمييز . وهذا لا يتعارض مع الرسالات السماوية التي ذكرت أن جميع الأشخاص تمت تسويتهم بعد خلقهم من نفس واحدة دون تمييز .
أما الكفالة فهي الإهتمام المادي والمعنوي بطفل يافع أو رجل أو امرأة لكونهما في حالة إعاقة جسدية أو ذهنية أو مرض ولا علاقة لها بالتبني بتاتا .
الرسول عليه السلام تكفل بزيد بعد عتق رقبته من العبودية .فقد تكفل به وزيد يافع يعرف أبويه ، فلقد اختار البقاء مع النبي بعد أن جاء أبوه وعمه يبحثان عنه .فلا يمكن أن نقيس على حالة إنسانية فريدة ،مع العلم أنه لا قياس مع وجود الفارق.
إن الإشكالية توجد في المفاهيم . فمفهوم الوالد (géniteur ) هي مسألة بيولوجية تقوم بها حتي الحيوانات الثديية .
أما مفهوم الأب (le parrain ou le p père ) هو من أب( بتشديد الباء )وهي (بمعنى نما ينمو. ونقول أبت المشاتل يعنى نمت وربت) فالوالد قد يكون أبا ،لكن الأب ليس هو الوالد .
الأب هو من يرعى الطفل ويتكفل بنموه وتربيته . .فالأب في غياب الوالد أو موته أو في حالة الطلاق هو الذي يخرج الطفل من المرحلة البهيمية إلى المرحلة الإنسانية ويمنحه الحنان والتربية وجميع حقوقه الإنسانية لإدماجه في المجتمع دون أن يحس بالتمييز الذي يهددحياة الأطفال النفسية والجسدية ويعرضهم للإنحراف والبغي والبغاء …. مما يهدد الأمن ويعيق رقي المجتمع.
طبعا ، لا أحد يولد حكيما أو عالما أو لقيطا أو كافرا أو جبارا ،ولا يختار بيئته ولا زمنه ولا مجتمعه. ولا جيناته أو لون عينيه. ولا يختار أبويه فهو سجين هذه الأسوار. فالخلق إلهي والتربية إنسانية.
لقد ذكر الله تعالى في ذكره الحكيم الوالد كما ذكر الأب بكل دقة. وجاء في الذكر الحكيم : (ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا) وليس كما والداني صغيرا ، لكون التربية شاقة ومكلفة وهي الجوهر .كما أن الحديث الشريف يقول (أدعوهم لآبائهم )وليس لوالديهم .
وكذلك فالوالدة هي géniteur أما الأم فهي تمنح الطفل السلوك .وأمي هي سلوكي مصداقا لقوله تعالى (وكان إبراهيم أمة ).
وللحفاظ على كرامة الإنسان وللحيلولة دون وجود أطفال الشوارع والمجرمين الذين لا رحمة لهم، أوصى الله باليتامى في عدة آيات .
وفي الختام ، إن التربية على القيم و كذلك الكرامة والرحمة والحرية والإحساس بالطمأنينة ونبد ثقافة التمييز هي أسس كفيلة بخلق مجتمع سليم .
راشيد اليوسفي