مصادر الحقوق في القانون الوضعي – المطلب الثاني:
المصدر كمصطلح قانوني له عدة مفاهيم ويمكن تصنيف مصادر القاعدة القانونية إلى عدة تصنيفات سواء من حيث المصدر الموضوعي أو المادي للقاعدة القانونية ، أو من حيث المصدر الرسمي أو من حيث المصدر التفسيري.
وقد تطورت مصادر القانون عبر مراحل متعاقبة حيث يعتبر العرف من الوجهة التاريخية أول مصدر رسمي للقانون يليه المصدر الديني باعتباره المصدر الرسمي لكثير من القواعد القانونية القديمة في المجتمعات السابقة، ليأتي التشريع في وقت لاحق كالاستجابة لمتطلبات المجتمع ولتنظيم مختلف العلاقات ثم بعد ذلك الفقه والقضاء كمصدران تفسيريان.
وبالإضافة إلى المصادر المشار إليها فإن جل التشريعات تنص على جنحة إنكار العدالة [1] وسنتناول اتباعا المصادر الرسمية للقانون الوضعي حسب درجة أهميتها فننطلق من التشريع ( فقرة أولى ) ثم نتطرق للعرف ( فقرة ثانية ) ثم نعالج الفقه والاجتهاد القضائي باعتبارهما مصدرين تفسيرين للقاعدة القانونية ( فقرة ثالثة وفقرة رابعة ) ثم نتناول في الأخير مبادئ العدالة ( فقرة خامسة )
فقرة أولى : التشريع
يعتبر التشريع المصدر الأصلي الرئيسي لكافة القوانين وتطلق عبارة التشريع على كل قاعدة مكتوبة تصدرها السلطات العامة في الدولة وفقا للقواعد الدستورية المطبقة في هذه الدولة [2].
وبهذه فالتشريع هو مصدر من مصادر القانون تضعه السلطة التشريعية كالبرلمان أو رئيس الدولة أو حتى الوزير أو المسؤول الجهوي المختص في الحالات التي يحددها القانون وقد درج الفقه على تصنيف التشريع حسب مصدره أو حسب السلطة التي تضعه إلى تشريع دستوري وهو أسمى تشريع في الدولة وإلى تشريع مادي وهو مجموعة القواعد القانونية التي تصدرها إما السلطة التشريعية أو الهيئة التي تنوب عنها وإلى تشريع فرعي ويتجلى في القرارات ذات الصبغة التشريعية التي تصدر عن الوزراء أو بعض الهيئات والجماعات المختلفة في صدور اختصاصها
فقرة ثانية : العرف
العرف هو مجموعة القواعد القانونية التي تنشأ من اضطراد سلوك الناس في اتباعها زمنا طويلا مع اعتقادهم بالزامها وبأن مخالفتها تستتبع توقيع جزاء مادي [3].
فالعرف ينشأ في ضمير الجماعة بشكل عفوي وتلقائي دون تدخل من سلطة أخرى خارجية
ويعد العرف مصدرا حيويا للقانون وحيويته نابعة من كونه يعكس بصدق حاجيات المواطنين ومطامحهم، وقد كان العرف يشكل المصدر الأول للقواعد القانونية في ظل المجتمعات البدائية حيث كان يستجيب لحاجياتها البسيطة غير المعقدة ولما تعقدت الروابط الاجتماعية بين الأفراد وتقدمت الجماعات ظهر عجز العرف وقصوره عن ملاحقة تطورات ومتطلبات المجتمعات الحديثة وتعقد علاقاتها جعلت العرف عاجزا مسايرة الأوضاع ومتطلبات العصر المتسمة بالسرعة وبذلك أصبح العرف يحتل درجة ثانوية واحتل الدرجة الثانية بين مصادر القانون [4]
فقرة ثالثة : الفقه
الفقه كمصدر تفسيري للقانون الوضعي هو مجموع المساهمات والآراء التي يقدمها رجال القانون والمتخصصون فيه من شروح وتحليل لنصوص القانون [5]
وبالرغم من أن الفقه يعتبر مصدرا تفسيريا للقانون إلا أنه يتعدى ذلك ليتحول إلى مصدر استلهام للقاضي والمحامي ، فالقاضي عند تعرض عليه قضية ما فإنه يرجع إلى الآراء الفقهية ومختلف الكتابات الصادرة في القضية حتى يكون حكمه عادلا ومنصفا للطرفين ورغم أن الفقه يعتبر كمصدر غير مباشر لكنه أساسيا حيث يتم الرجوع إلى أعمال الفقه المنجزة من أجل إعداد النصوص التشريعية والاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال.
فقرى رابعة : الاجتهاد القضائي
يعتبر الاجتهاد القضائي مصدرا من مصادر القانون وهو مجموع المبادئ والحلول القانونية التي تستخلص من أحكام القضاء ( المحاكم ) في مسألة معينة [6]
فهي مبادئ مستمدة من اطراد أحكام القضاء على اتباعها والحكم بها ، مما ينشئ ما يعرف بالسابقة القضائية
وقد شكل القضاء مصدرا رسميا للقانون في الشرائع القديمة ، فقد لعب دورا أساسيا في نشأة القانون الروماني ولا يزال القضاء يلعب هذا الدور الحيوي في ظل أنظمة قانونية حديثة كالنظام الانجليزي ، فبفضل السوابق القضائية تكونت مبادئ القانون الانجليزي المستمدة من العادات والأعراف القديمة [7].
ويعتبر الاجتهاد القضائي مصدرا تفسيريا للقانون ليس إلا لا يتم الرجوع إليه إلا على سبيل الاستئناس حيث أن المحاكم غير ملزمة من الوجهة القانونية بالسوابق القضائية إلا أنها من الوجهة العملية تأخذ بالاجتهادات التي استقر عليها القضاء [8].
فقرة خامسة : مبادئ العدالة
ترتبط فكرة العدالة بفكرة القانون الطبيعي وهي تسعى إلى تقرير العدل بين الناس والتي جعل القاعدة القانونية أكثر إنسانية من خلال التلطيف من حدتها وقسوتها الذي قد تبلغ حد الظلم [9].
فالقضاء يلجأ إلى استقراء مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة عندما يعجز عن إيجاد حل للنزاع المعروض عليه في المصادر الرسمية السابق التطرق لها
والقانون الطبيعي حسب تعريف الفقه هو مجموعة القواعد التي يستخلصها العقل البشري من طبيعة العلاقات الاجتماعية وهي قواعد أزلية خالدة تسمو على جميع القوانين الوضعية ولا تتغير بتغير الزمان والمكان [10].
والواقع أن الإحالة على مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة تبدو فائدتها في كونها تحمل القاضي على الاجتهاد برأيه وصولا إلى الحقيقة بل النكول والامتناع عن البث في القضايا المعروضة عليه بدعوى غياب قواعد قانونية تحكم النزاع المطروح عليه
الحق في الحياة فقها و قانونا
____________________________
[1] – ابراهيم الدسوقي مرجع سابق، ص 93
[2] – امال جلال ، المدخل لدراسة القانون 1979 ص 69.
[3] – حسن فرج ، مرجع سابق، ص 1250 سمير تناغو ، مرجع سابق، ص 424
[4] محمد جلال السعيد :” مدخل لدراسة القانون ” توزيع دار الامان ، الرباط، ط 1993 ص 96.
[5] – الطيب الفصايلي ” الوجيز في المدخل لدراسة القانون “الجزء الأول نظرية القانون ص 136
[6] – حمدي عبد الرحمان ، فكرة القانون ، دار الفكر العربي ، 1979 ص 109.
[7] – ميكو، مرجع سابق، ص 235
[8] – بلعيد كرومي، سلطة القاضي في تفسير النصوص الشرعية و الوضعية أطروحة جامعة البيضاء 1984
[9] – عبدالودود يحيى :” المدخل لدراسة القانون” ص 131.
[10] عبدالقادر حسن حسني ، دروس في المدخل لدراسة القانون ص 148 – 149.