المصادر الإجتهادية أوالفقهية للتشريع

المصادر الاجتهادية أو الفقهية للتشريع الفقرة الثانية:
كان للفقه دور هام في استنباط الأحكام  الشرعية من الكتاب والسنة حتى أن علماء الشريعة وصل بهم الحد إلى إبداع أصول الفقه
وبعد الاجتهاد في استنباط الأحكام  الشرعية من أهم الموضوعات وابرزها في مجال العلوم والمؤلفات الإسلامية ذلك أنه يعد اساسا من أسس التشريع الإسلامي واصلا من أصوله الثانية سواء كان اجتهاد فرديا أو جماعيا يتكون به الإجماع الذي هو المصدر الثالث للتشريع الإسلامي [1]

وقد نتج عن اجتهاد الأئمة والفقهاء عامة وضع قواعد أصولية للاستنباط الأحكام  القانونية من أصول الشريعة واعتبرت مصادر تبعية للتشريع منها ما اتفقوا عليه كالإجماع والقياس ومنها ما لم ينفقوا عليه كالاستحسان والمصالح المرسلة والعرف والاستصحاب.

أولا : الإجماع
الإجماع لغة : العزم على التصميم على الأمر أو الاتفاق عليه لقوله صلى الله عليه وسلم : لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل ” [2]
وفي الاصطلاح عرفه علماء الأصول  بأنه  : اتفاق جميع المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور على حكم شرعي بعد وفاة النبي عليه السلام”
فقولهم اتفاق المجتهدين يخرج اتفاق العامة فلا يعتد به لعجزهم عن النظر والاستدلال وقولهم من أمة محمد يخرج اتفاق أرباب الأديان الأخرى فليس بحجة عند المسلمين لأنهم متأثرون بعقيدتهم الدينية ومتفقون على بطلان الإسلام [3]
ومعنى هذا أن الإجماع لا يمكن أن يتحقق إلا باتفاق مجتهدي الأمة الإسلامية بل اتفاق غيرهم فلا يكونإجماعا ولا يلزم به المسلمون

والإجماع دليل ملزم للمجمعين ولمن يأتي بعدهم ولا يصدر إلا عن علماء الشريعة الإسلامية  والمجتهدين في كل عصر تحت ظل القواعد والنصوص الشرعية من الكتاب والسنة وتطبيقاتها التفصيلية وقد أجمع العلماء على اعتبار الإجماع حجة تأتي في المرتبة الثالثة بعد الكتاب والسنة غير أنهم اختلفوا في العلماء المجتهدين الذين يتحقق عنهم الإجماع فهناك من يرى أن الإجماع لا يعتبر إلا من الصحابة دون بعدهم والمذاهب يرون أن الإجماع المعترف به عندهم هو إجماع الأئمة بينما رأى الجمهور أن إجماع الفقهاء عندهم معتبر كذلك رفضه الخوارج ولم به لأنهم خرجوا على الجماعة [4].

والإجماع مراتب يمكن تقسيمها إلى :

الإجماع الصريح : وهو الذي اتفق الفقهاء على حجيته ومعناه ان يصرح كل واحد من المجتهدين بقبول ذلك الرأي المنعقد عليه وهو حجة قطعية عند الجمهور من الفقهاء…

الإجماع السكوني : هو أن يذهب واحد من أهم الاجتهاد إلى أي يعرف في عصره ولا ينكره عليه منكر ، ولم يعتبره الشافعي إجماعا غير أن هناك من الفقهاء من يعتبره إجماعا ولكنه دون مرتبة الإجماع الصحيح في القوة وهناك من الفقهاء من يعتبره حجة ولكنه ليس بإجماع والواقع أن الإجماع في ظل الأدلة الشرعية من كتاب وسنة لعب دورا مهما في تاريخ التشريع الإسلامي وفي تطور أحكامه حسب الزمان والعادات والأحوال فهو وسيلة فعالة تصلح للسير بالفقه الإسلامي في ميدان التطور حاضرا ومستقبلا من أجل مسايرة النظم الجديدة والتحولات السريعة التي أصبح المسلمون يعيشون في ظل الحضارة الإسلامية المعاصرة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الفكرية

ثانيا : القياس
لغة هو التقدير والمساواة ويقال قست الثوب بالمتر إذا قدرته به وقست الغلاف بالكتاب إذا ساويته به.
وفي اصطلاح الأصوليين هو إلحاق حكم غير معلوم بآخر معلوم يتفقان في العلة المنصوص عليها أو المستنبطة [5]
والقياس حسب هذا التعريف يقوم على أربعة أركان وهي :
1-المقيس عليه، وهو ما نص على حكمه ويسمى الأصل
2-المقيس وهو ما يراد إلحاقه بالأصل في الحكم ويسمى الفرع بالفرع
3-الحكم وهو ما حكم به النص على الأصل
4-العلة: وهي ما بني عليه الحكم في الأصل وتحقق في الفرع

والقياس مصدر من مصادر الشريعة المتفق عليها، وقد ظهر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الإجماع ورتبه العلماء في المرتبة الرابعة بعد القرآن والسنة والإجماع فالرسول صلى الله عليه وسلم قاس حتى بلغت اقيستة ما يزيد على المائة كما ذكر ذلك العلماء

وقد اعتمد جمهور الفقهاء القياس كمصدر من المصادر الاجتهادية للتشريع وقد استندوا على حجيته آيات من القرآن الكريم وأحاديث من السنة ومن الاثر فمن القرآن قوله تعالى  :” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول “.[6]

ومن السنة قوله  صلى الله عليه وسلم لرجل سأله :” يانبي الله إن أبي مات ولم يحج فهل أحج عنه فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه فقال الرجل نعم فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم فدين الله أحق أن يقضى “.

ومن الأثر ما ثبت عن الصحابة من كونهم بايعوا أبا بكر بالخلافة استنادا لكون الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بأن يؤم بهم في الصلاة فقالوا قولتهم الشهرية ” رضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أ فلا نرضاه لدنيانا ” [7]

ثالثا: الاستحسان
الاستحسان هو عد الشيء حسنا وقد أنكر بعض العلماء الأخذ به حتى قال الشافعي ” من استحسن فقد شرع” أي جعل نفسه مشرعا من دون الله ، وقال :” أن الاستحسان تلذذ وقول بالهوى فلا يكون أصلا للاحكام الشرعية “[8]، قال الشاطبي :” أن الاستحسان لا يكون إلا بمستحسن ” وهو إما العقل أو الشرع ، أما الشرع فاستحسانه واستقباحه قد فرع منهما لأن الأدلة اقتضت ذلك فلا فائدة لتسميته استحسانا ولا لوضع ترجمة له رائدة على الكتاب والسنة والإجماع وما نشأ عنهما من القياس والاستدلال فلم يبق إلا العقل هو المستحسن فإن كان لدليل فلا فائدة لهذه التسمية لرجوعه إلى الأدلة لا إلى غيرها، وإن كان بغير دليل فذلك هو البدعة التي تستحسن [9] قال الشوكاني ” إن ذكر الاستحسان في بحث مستقل لا فائدة فيه لأنه إن كان راجعا إلى الأدلة المتقدمة فهو تكرار وإن كان خارجا عنها فليس من الشرع في شيء [10]، ومن هنا اختلف الأصوليون في تعريفه كما اختلفوا في الأخذ به وفي حجيته فجمهورهم يرى الأخذ به باعتباره مصدرا تبعيا من مصادر التشريع الاسلامي بينما رآه البعض تشريع ما لم يأذن به الله ، فالحنفية اشتهر عنهم الأخذ به كما اعتبره الحنابلة والمالكية مصدرا للتشريع بعد الكتاب والسنة والإجماع والقياس مستدلين على كونه حجة بما جاء في الكتاب والسنة قال تعالى :” واتبعوا أحسن ما انزل إليكم من ربكم ” وقال صلى الله عليه وسلم ” ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ”
والاستحسان هو العدول في مسألة عن حكم بمثل ما حكم به نظائرها لوجه أقوى استلزم هذا العدول [11]
وقد اعتبر المالكية والحنابلة والأحناف الاستحسان مصدرا مستقلا من مصادر الأحكام  الشرعية معتمدين في ذلك على النصوص التشريعية :” فالله حرم الميتة في قوله حرمت عليكم الميتة تم عدل عن تعميم هذا الحكم ليجيز للمضطر أكل الميتة حفاظا على حياته.

وقد أجمع الفقهاء رأيهم على اعتبار الاستحسان دليلا شرعيا حجيته في تقرير الأحكام  ومصدرا للتشريع يلي في المرتبة الكتاب والسنة والإجماع [12]

رابعا: المصالح المرسلة
المصلحة في اللغة ضد المفسدة أو هي المنفعة المحضة وفي الاصطلاح الشرعي يراد بها السبب الذي يوصل إلى المنفعة والخير والشرائع لا يراد بها إلا تحقيق مصالح العباد والمسلمون لم يختلفوا في كون الشريعة الإسلامية جاءت لرعاية مصالح الناس ودفع المشقة عنهم، كما لا يختلفون أيضا في أن استنباط الأحكام  الشرعية يستند إلى البحث عن الحكمة أو المناسبة التي رعاها الشارع وهذه الحكمة هي التي يعبر عنها الفقهاء بالمصلحة أو يراد بها كل مصلحة غير مفيدة بنص من الشارع يدعو إلى اعتبارها أو عدم اعتبارها وفي اعتبارها مع هذا جلب نفع أو رفع ضرر فهي تشريع في واقعة لم يرد نص فيها ولاإجماع بناء على مراعاة مصلحة مرسلة أي مطلقة لم تقيد بقيد لم يرد الشارع دليل باعتبارها أو إلغائها ولقد قرر الفقهاء أن كل حكم شرعي وراء مصلحة سواء أدركها العقل أو لم يدركها إلا أن المصلحة التي ورد حكم من الشارع بتحقيقها تسمى مصلحة معتبرة والتي ورد النص بإلغائها تسمى مصلحة ملغاة وإن هو لم يعتبرها ولم يلغها سميت مصلحة مرسلة وهي التي يقصدها الفقهاء عند الإطلاق وقد عدها بعض الفقهاء لون من ألوان القياس [13].

خامسا : العرف
عرفه الإمام الغزالي  بأنه  ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول أو ما يعتاده الناس ذو الطباع السليمة من أهل قطر إسلامي بشرط ألا يخالف نصا شرعيا [14]
وقد أخذ به المالكية والحنفية في غير موضوع النص معتمدين في ذلك على قول الرسول صلى الله عليه وسلم ” ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ” وهذا ما جعل الفقه يضع مجموعة من القواعد الأصولية الكلية في شأنه منها قاعدة الثابت بالعرف كالثابت بالنص أو بدليل شرعي

سادسا : الاستصحاب
لغة هو طلب المصاحبة والملازمة أما في اصطلاح الأصوليين فهو الحكم على الشيء بما كان ثابتا له أو منفيا عنه لعدم قيام الدليل على خلافه فمبناه عدم قيام الدليل على تغيير حكم سابق ولهذا كان آخر ما يلجأ إليه المجتهد [15].

وقد أخذ بالاستصحاب كمصدر للتشريع الإمام مالك والإمام أحمد وأكثر الشافعية بشرط أن يتعذر استنباط الحكم من الأدلة الشرعية الأخرى وذلك قال عنه علماء الأصول  بأنه  مدار الفتوى.
الحق في الحياة فقها و قانونا
____________________________
[1] – د عبدا لسلام السليماني الاجتهاد في الفقه الإسلامي ضوابطه ومستقبله ص 3.
[2] رواه النسائي كتاب الصيام باب  ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة الحديث رقم 2334
[3] – علي حسب الله :” أصول التشريع الإسلامي ص 109.
[4] – محمد أبو زهرة ، أصول الفقه ، ص 189
[5] د عباس متولي حمادة : أصول الفقه ص  144
[6] – سورة النساء ، الآية 58.
[7] عباس متولي حمادة ، مرجع سابق، ص 145
[8] – المستصفى للإمام الغزالي ج 1 ، ص  274
[9] – علي أبو العكيك نقل بتصرف عن كتاب الاعتصام ج2 / 220
[10] كتاب إرشاد الفحول ص 211
[11] – د.عمر مولود عبد الحميد ، حجية القياس ، ص  124
[12] محمد أبو زهرة ، أصول  الفقه ص 208
[13] – دكتور يوسف قرضاوي ، مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية ” ص 159 – 160.
[14] – الإمام الغزالي المستصفى ج 1 ص 17
[15] – متولي جمادى مرجع سابق، ص  146.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.