مصادر الحقوق في الشريعة الإسلامية

مصادر الحقوق في الشريعة الإسلامية والقانون  – المبحث الثاني :
حيث سيتم تناول هاته المصادر من خلال مطلبين الأول لمصادر الحقوق في الشريعة الإسلامية والثاني لمصادر الحق في القانون

مطلب أول : مصادر الحقوق في الشريعة الإسلامية
مصادر الحقوق في التشريع الإسلامي هي أصوله التي يقوم عليها وأدلته التي يرتكز عليها، وهي نوعان مصادر أصلية قائمة بذاتها لا تحتاج إلى دليل لإثبات صحتها وهي القرآن والسنة ومصادر تبعية أو اجتهادية ترتكز في قيامها على الكتاب والسنة وتتوقف دلالتها عليها [1].

الفقرة الأولى : المصادر الأصلية
أولا:الكتاب
1-تعريفه وجمعه وإعجازه
وهو كلام الله تعالى المعجز المنزل باللفظ العربي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس المنقول إلينا بالتواتر المتعبد بتلاوته المكتوب بين دفتي المصحف [2].

ويسمى بالفرقان أيضا لأنه يفرق بين الحق والباطل قال تعالى :{ تبارك الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا }[3] ويسمى بالكتاب في قوله تعالى :{ لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون } [4]، وقد نزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم في فترات متعاقبة حسب الحوادث والحاجة، وقد استغرق نزوله ثلاثة وعشرون سنة تقريبا، ولم يجمع القرآن في مصحف واحد إلا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك لاستشهاد الكثير من حفظة القرآن في غزوة اليمامة، وخوفا من تزوير وتحريف الآيات من طرف أعداء الإسلام ، وقد كان زيد بن ثابت هو من جمع القرآن في مصحف واحد باعتباره من الملازمين لمجالس الرسول وقد استكملت عملية جمع القرآن مراحلها في عهد الخليفة عثمان بن عفان محفوظا كما انزل

2-دلالة القرآن على الأحكام
دلالة القرآن على الأحكام  ليست درجة واحدة ففيه ما هو قطعي الدلالة وهو كل لفظ لا يحتمل إلا معنى واحد ولا يقبل التأويل أو الاجتهاد، لأنه صريح في دلالته على المراد ومنه ما هو ظني الدلالة، وهو اللفظ الذي يكون موضوعا لأكثر من معنى واحد ، ولكنه استعمل في غير معناه بقرينة أو بأخرى [5].

ومن أمثلة النوع الأول قوله تعالى :” يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين “[6]. فهذا النص قطعي الدلالة لأنها تدل على مراد الله تعالى بألفاظ لا تقبل التأويل ولا يحتمل مدلولها اللغوي إلا معنى واحد.

ومثال النوع الثاني الذي دلالته ظنية قول الله عز وجل :{ وامسحوا برؤوسكم } فالآية قطعية في وجوب مسح الرأس ولكنها ظنية في دلالتها على المقدار الواجب مسحه فيحتمل مسح كل الرأس أو بعضه.

3-منهج القرآن في بيان الأحكام
القرآن كتاب هداية وإرشاد وتدبر وتذكر ، كما أنه كتاب تشريع وهذا التنوع جعله لا يلتزم في بيانه للأحكام أسلوبا واحد مثل القوانين والتشريعات الفقهية الأخرى، فلم يعبر عن كل مطلوب طلبا مؤكدا بمادة الوجوب ولا عن كل ممنوع بمادة المنع أو التحريم ولا عن كل مغير فيه، بمادة التغيير أو الإباحة بل غاير في ذلك نوع في عبارات بليغة ليكون ذلك باعثا على القبول والمبادرة إلى الامتثال فجاءت تشريعاته سهلة لينة تساير حاجات المجتمع ورغباته فنجده في طلب الفعل طلبا حتميا يعبر عنه مرة  بأنه  مكتوب أو مفروض ومرة  يعبر بمادة الأمر ونجده مرة ثالثة يطلبه بفعل الأمر، ونجده أخرى يعبر بالاخبار عن الفعل  بأنه  خير أو شر، وأحيانا يقرنه بالوعد الجميل والثواب العظيم، والأمر نفسه بالنسبة لتحريم الفعل نجده يعبر عنه بمادة التحريم وتارة يعبر عنه بمادة النهي الصريح” وينهى عن الفحشاء والمنكر ” وأحيانا يعبر عنه  بأنه  ستر.

وهكذا تنوع أسلوب القرآن في خطابه بأساليب مختلفة كل واحد منها يناسب المقام الذي وقع فيه [7].

ثانيا :السنة النبوية
1-تعريف السنة وأنواعها وتدوينها
السنة لغة: هي الطريقة والعادة سواء كانت محمودة أو مذمومة قال تعالى ” فلن تجد لسنة الله تبديلا ” [8] وقوله صلى الله عليه وسلم :” من سن سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة “[9] وتعني السنة اصطلاحا عند الأصوليين ما صدر عن الرسول من أقوال أو أفعال أو تقريرات[10]. وهي بهذا التعريف ثلاث أنواع :
– سنة قولية – وسنة فعلية  – وسنة تقريرية

فالسنة  القولية : هي الأحاديث التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مختلف الأغراض والمناسبات وأمر بنشرها وتعليمها :” اللهم ارحم خلفائي ، قيل ومن خلفاؤك يا رسول الله قال الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي يعلمونها للناس “.

والسنة الفعلية : هي فعل النبي صلى الله عليه وسلم لعباده من العبادات كالصلاة والحج، فقد ورد الأمر بهما مجملا في القرآن وبينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بفعله فصلى وقال :” صلوا كما رأيتموني أصلي وحج وقال ” خذوا عني مناسككم “[11].

أما السنة التقريرية : فهي أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم فعلا أو يسمع قولا فيقره وقد يقع من الصحابة في حضرته، أقوال أو أفعال فيسكت عنها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا ينكرها فيعد ذلك إقرارا لها مثالها إقرار لمن تيمم من الصحابة للصلاة إذا لم يجدوا الماء، ثم وجدوه بعد الصلاة.

وليس كل ما نقل عن الرسول من أقوال وأفعال وتقريرات فيما صدر عنه باعتباره بشرا كالأكل والنوم والشرب والمشي والقيام والقعود، وبغير ما تبت بالدليل أنه من خصوصياته كالوصال في الصوم والجمع بين أكثر من أربع نسوة وكذا ما هو من أمور الخبرة الدنيوية من تجارة أو صناعة أو زراعة أو تدبير حربي فكل هذا لا يعد تشريعا [12]

2-طبيعة الأحكام  الواردة في السنة
إن طبيعة الأحكام  الواردة في السنة تكون إما معشرة لبعض آيات القرآن وإما مؤكدة لأيات أخرى ، وإما ناسخة لبعض الأحكام  وإما مؤسسة لأحكام لم يرد لها وجود في القرآن.
فبالنسبة للسنة المبينة لأحكام القرآن هي التي تفصل مجمله قوله صلى الله عليه وسلم ” صلوا كما رأيتموني أصلي ” [13] حيث فصلت السنة العملية ماورد في القرآن مجملا من أمور الصلاة كما تخصص عام القرآن كقوله تعالى ” وأحل لكم ما وراء ذلكم… “[14]

حيث خصصت السنة بقوله صلى الله عليه وسلم :” يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ” والسنة المؤكدة تأتي لتؤكد ما ورد من احكام في القرآن لقوله صلى الله عليه وسلم :” لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه مؤكدا قوله تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم “[15].
والسنة الناسخة تأتي لتنسخ حكم ورد في القرآن قوله صلى الله عليه وسلم :” لا وصية لوارث ” [16] تـنسخ الوصية المقررة للوالدين في قوله تعالى :” كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف “[17].

والسنة المقررة لحكم لم يرج في القرآن مثالها رجم الزاني المحصن وتحريم لباس الحرير أو الذهب على الذكور وتوريت الجدة السدس وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها والأحكام  التي جاءت بها السنة المقررة هي تشريع اختلف الفقهاء في التمييز بينها فمنها ما هو عام أي أبدي وما هو خاص أي وقتي [18]

تعتبر السنة المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن حيث تستمد حجيتها من آيات كثيرة في القرآن الكريم

والسنة من حيث حجيتها إما متواترة وإما مشهورة وإما خبر آحاد

فالسنة المتواترة : هو خبر عن محسوس أخبر به جماعة بلغوا في الكثرة مبلغا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب وأفاد العلم اليقيني لسامعه ، وهذا النوع من السنة قطعي الثبوت يجب العمل به ويكفر جاحده ولا يبحث في نقله فعندما نقول تواتر الحديث معناه أنه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم كثير من الصحابة ورواه عنهم عدد كثير من التابعين ورواه عنهم عدد كثير من اتباع التابعين هكذا والجمع المطلوب يحصر في القرون الثلاثة الأولى ومثاله ” من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار” رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ثمانين صحابيا ورواه عنهم من التابعين من لا يحصى وهكذا إلى أن وصل إلينا فلا نزاع فيه [19]. وينقسم المتواتر إلى لفظي ومعنوي فالأول ما تواتر لفظة ومعناه والثاني هو أن ينقل جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب وقائع معينة تشترك في أمر واحد يستخلص منها وتعتبر قدرا مشتركا فذلك القدر المشترك هو الذي يسمى المتواتر المعنوي ، وذلك مثل كرم حاتم الطائي فقد روى جماعة أنه وهب مائة دينار وروى آخرون أنه وهب مائة من الإبل ، وروى جماعة أنه أعطى عشرين فرسا وهكذا حتى بلغ الرواة حد التواتر واتفقوا جميعا على سخاء حاتم وكرمه وجوده.

والسنة المشهورة : هي خبر جماعة لم يبلغوا في الكثرة مبلغا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب سيما بذلك لشهرتها ووضوحها وهي أكثر من السنة المتواترة مثاله حديث ” إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ” وحديث ” لا ضرر ولا ضرار “[20].

أما خبر الأحاد : فهي الأحاديث التي رواها عن الرسول رواة لم يبلغوا في كثرتهم أو قلتهم لاحد التواتر ولا حد الشهرة وقد اخذ المالكية بخبر الآحاد شرط أن يكون راويه معروفا بصدفة وأن يكون الحديث متصلا بسنده إلى الرسول.
الحق في الحياة فقها و قانونا
____________________________
[1] – عبدالباقي البكري ” المدخل لدراسة القانون والشريعة الإسلامية ” النجف الأشرف ، 1972
[2] العربي اللوه ، أصول الفقه ص  78
[3] – سورة الفرقان ، الآية 1
[4] -سورة الأنبياء ، الآية 10
[5] – علي أبو العكيك ، مدخل لدراسة الشريعة والقانون الجزء الأول ، السنة الجامعية 1419 هـ 1998/1999 مكتبة المعارف الجامعية الليدو  هـ 91 – 34- 64 جامعة القرويين كلية الشريعة بفاس ، ص 54.
[6] -سورة النساء ، الآية 11
[7] عمد الجيدي ، أصول التشريع الإسلامي ، ص  90.
[8] – سورة فاطر الآية 43
[9]- أخرجه مسلم في كتاب الزكاة ، باب الحث على الصدقة
[10] – الحضري ، تاريخ التشريع الإسلامي ، ص 33
[11] – أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه في كتاب الحج باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا
[12] – علي أبو العكيك، مرجع سابق، ص 58.
[13] -رواه  البخاري في كتاب الصلاة
[14] – سورة النساء ، الآية 24
[15] – سورة النساء الآية 29
[16] – أخرجه البخاري كتاب الوصايا باب لا وصية لوارث
[17] – سورة البقرة الآية 180
[18] – علي أبو العكيك ، مرجع سابق، ص 60.
[19] تدريب الراوي للسيوطي، ص 9
[20] – مقدمة علوم الحديث لابن الصلاح ص 9

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.