المقترض وتعذر السداد والمديونية المفرطة – المطلب الثاني:
تعتبر فكرة الوقاية من الوصول إلى وضعية المديونية المفرطة غاية في الأهمية لأنها تجنب المستهلك السقوط في حالة الإعصار وتمنحه آجال للتروي والتفكير ومراجعة التصرفات التي تؤدي به للاقتراض قد لا تتحمله ذمته المالية ويعتبر أهم تجديد في هذا المجال جاء به مشروع القانون هو أحقية المقترض بالتراجع عن التزامه داخل أجل 7 أيام ابتداء من تاريخ قبوله العرض دون أن يتحمل مقابل هذا التراجع المذكور أي التزام[1].
وفي حالة احتفاظ المقرض لنفسه بحق قبول أو رفض طلب القرض المقدم من لدن المقترض، فإنه في حالة قبول هذا الأخير لا يكون العقد تاما إلا بتوفر الشرطين التاليين داخل أجل 7 أيام المشار إليها أعلاه، شرط أن يكون المقرض قد أبلغ المقترض بمنح القرض، وشرط أن لا يكون المقرض قد مارس حقه في هذا التراجع[2] ، وإمعانا في حماية المستهلك من ترتيب آثار عقد القرض داخل المدة التي خوله مشروع القانون التراجع فيها ، فإنه لا يمكنه أن يقوم بأي إيداع برسم العملية المعنية لفائدة المقرض أو لحسابه خلال تلك المدة زيادة على ذلك إذا كان قد وقع ترخيص بالاقتطاع من حسابه البنكي أو البريدي ، فإن ذلك الترخيص لا يعتبر صحيحا إلا بعد انصرام المدة المشار إليها لسريان أثر العقد [3].
إن هذه المقتضيات القانونية المقترحة من قبل المشرع تمثل- ولاشك- تجديدا هاما على المستوى القانوني لفائدة المستهلك المقترض، حيث يبرز التأكيد على إعطاء مهلة تمنحه فرصة للتفكير والتروي ودراسة بنود العقد وحماية الإرادة من أي تسرع، لكن في حالة تسرعه وإغماض عينية عن أمور عديدة تتعلق بالقرض يصبح المستهلك متحملا مسؤولية كاملة لتصرفه بدون تعقل، وبالتالي لا يمكن الميل دائما على مؤسسة القرض،فالأخيرة تمنح القروض لمن يطلبها، إذن لن توقف عملها لهذه الأسباب مع ذلك يؤخذ عليها منح المعلومات الخاطئة،والدعاية التي تخفي التكلفة الحقيقة للقرض دون إغفال دور بعض الوسطاء ( تجار وبائعي الأجهزة المنزلية) بين الزبون ومؤسسات القرض حيث لوحظ تسجيل بعض الوسطاء بيعهم المنتوج للزبون وتقديم مبلغ مالي بدله، ثم يقومون بإضافة مبلغ العمولة لمبلغ القرض الذي أخذه الزبون والذي يكون مرتفعا جدا بحيث يصل أحيانا لنصف مبلغ القرض، إضافة لإرسالهم لعدة ملفات للقرض متعلقة بزبون واحد إلى عدة شركات في نفس الوقت ما يجعل كل شركة تمنح قرضا للزبون، وبتراكمها واقتطاعها للأقساط المستحقة لها في نفس الوقت يصبح الشخص عاجزا عن السداد كما يقوم هؤلاء الوسطاء بمطالبة الزبناء بتوقيع شيكات ووثائق على بياض ثم يستغلون ثقة الزبناء ويضعون في عقد القرض الموجه لمؤسسة الائتمان مبالغ تفوق بكثير المبالغ المقترضة فعلا، ويصطدم المقترض بهذا الواقع والذي يجعله في وضعية يعجز فيها عن السداد وحينها يمكن للمقرض أن يطالبه بالتسديد الفوري لرأس المال المتبقي المستحق إضافة للفوائد الحال أجلها وغير المؤداة،
ويترتب عن المبالغ المتبقية المستحقة إلى تاريخ التسديد الفعلي فوائد عن التأخير بسعر يساوي سعر القرض إضافة إلى إمكانية مطالبته بتعويض يحسب بالنظر إلى المدة المتبقية عن العقد والذي يمكن أن يزيد عن 8% من رأس المال المتبقي المستحق في تاريخ العجز عن الأداء هذا في حالة فرضه التسديد الفوري لرأس المال المتبقي ، أما في حالة عدم فرضه للتسديد الفوري فيجوز له أن يطالب المقترض العاجز عن الأداء بتعويض لا يمكن أن يزيد عن 8% من الأقساط الحال أجلها وغير المؤداة، وفي حالة ما إن قبل المقرض إرجاء الأقساط المستحقة مستقبلا فإن مبلغ التعويض لا يمكن أن يزيد عن 4 % من الأقساط المؤجلة [4]
وهذا ما نصت عليه مقتضيات المادة 101 و102 من مشروع القانون لكن ما يلاحظ من خلال مشروع القانون هذا أنه رغم محاولة المشرع منه حماية المقترض في حالة العجز عن السداد، دون إغفال حق المقرض في استرداد ماله، إلا أنه لم يوفق إلى حدما، وذلك لإغفاله لمدخل مهم يمكن من خلاله حماية المستهلك من المديونية المفرطة والعجز عن السداد، وهو إثارة مسؤولية المقرض في التحقق من الحالة المادية للمقترض، ذلك أن المدخل الحقيق لحماية المقترض من الوصول لحالة العجز عن الأداء تكمن أساس في وقايته من الوصول للمديونية المفرطة، وبالتالي كان على المشرع أن يستأنس بالاجتهاد القضائية الواردة في الفقه المقارن حول إثارة مسؤولية مؤسسات القرض في حالة منحها القروض للأفراد دون التأكد من مقدراتهم الفعلية عن التسديد إضافة لعدم التأكد من وجود قروض وتحملات أخرى واقعة على عاتق طالب القرض حيث ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى اعتبار البنك الذي يمنح قرضا لمقترض بالرغم من أن مديونيته المرتفعة ظاهرة قد ارتكب خطئا من شأنه أن يقيم مسؤوليته المدنية، ما يعني مطالبته بأداء التعويض عن الضرر المترتب عن هذا الخطأ،
وتجدر الإشارة هنا إلى التشديد على أنه قبل التفكير في إعمال هذه المسؤولية يجب على المشرع أن يفكر أولا في إعداد سجل عام ومركز لوضعية الأفراد والأسر يمكن الولوج لمعطياته من طرف مؤسسات القرض، بحيث لا توافق الأخيرة على منح أي قرض إلا بعد التأكد عن طريق هذا السجل من المقدرة الفعلية للمقترض لتحمل أي اقتراض جديد،وختاما يجب أن تقام دعوى المطالبة بالأداء أمام المحكمة المختصة خلال السنتين المواليتين للحدث الذي أدى إلى إقامتها تحت طائلة سقوط الحق وفي حالة تعديل أو إعادة جدولة كيفيات تسديد الأقساط غير المؤاداة فإن أجل سقوط الحق يبتدأ منذ أول عارض لم تتم تسويته بعد كل تعديل أو جدولة.
خاتمة:
هكذا ظل المغرب لا يتوفر على أي قواعد قانونية خاصة تنظم وتقنن مجال قروض الاستهلاك بشكل يوفر حماية خاصة للمقترض كما هو موجود في الدول الحديثة باستثناء بعض الدوريات والنصوص التنظيمية، وحتى نصوص ق ل ع لا توفر تلك الحماية الضرورية للمقترض، ويبقى الأخير بين عدة مخاطر من شروط تعسفية واشهارات محرضة أو أسعار فائدة مرتفعة وغياب أي مساطر قانونية للوقاية من العجز عن السداد وبالتالي المديونية المفرطة، حتى في المشروع الجيد،
وبالتالي وجب التأسي بالقانون المقارن حين أوجب على مؤسسات القرض التأكد من المقدرة الفعلية للمقترضين و إلا أوثيرث مسؤوليتها المدنية، ونشيد بالمشرع المغربي نحو إعداد سجلات خاصة بالأفراد والأسر تبرز وضعيتهم يمكن أن تلجأ مؤسسات القرض.
لائحة المراجع:
– قانون الالتزامات والعقود- منشورات مؤسسة إيديسوفت للطباعة والنشر.
– موسوعة النصوص التشريعية والتنظيمية بالمغرب – عدد 6 – الطبعة الأولى 2003-2004 .
– مشروع قانون رقم 00-27 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك.
– حوار مع فاطمة براكين حول حماية المستهلك المقترض- جريدة الأحداث – www.Alahdath.com
– منير البصري وأحمد المنصوري – حماية المستهلك المقترض من الشروط التعسفية -www.Alahdath.com
حماية المستهلك المقترض
____________________________
[1] – المادة 80 من مشروع قانون 00-27 – القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك.
[2] – المادة 81 من نفس مشروع القانون السابق.
[3] – نفس المادة السابقة.
[4] – المادة 100 من مشروع قانون 00-27 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك.