ضرورة النهوض بمتفشية الشغل – ثانيا:
إن اشتراك القضاء الاجتماعي ومفتشية الشغل في مراقبة تطبيق القانون الاجتماعي يحتم وجود تعاون حقيقي بين الجهازين، وهو ما لن يتأتى إلا إذا تم منح مفتشية الشغل المكانة التي تستحقها لتعلب دورا رائدا في مجال ممارسة الرقابة على المؤسسات الخاضعة للقانون الاجتماعي. بعبارة أخرى، أصبحت الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى للنهوض بمفتشية الشغل، وذلك بجعل المحاضر لتي يحررها مفتش الشغل، بمناسبة قيامه بمهامه الرقابية، تكتسي قوة ثبوتية من جهة، ومنح مفتش الشغل صفة ضابط الشرطة القضائية من جهة أخرى.
1- إضفاء الحجية الثبوتية على محاضر التفتيش
تجد ضرورة إضفاء الحجية الثبوتية على محاضر التفتيش مبرراتها إذا نظرنا إلى الإشكالات التي يفرزها الواقع العملي لرجال تفتيش الشغل، وهي إشكالات نابعة، أساسا، من نظرة القاضي الاجتماعي، الواقف أو الجالس، وتعامله مع محضر المفتش.
وهكذا، فالبرغم من كون المحضر الذي يحرره مفتش الشغل، باعتباره موظفا عموميا مختصا، يعد دليلا رسميا كتابيا لا يمكن الطعن في مضمونه، من حيث المبدأ، إلا عن طريق دعوى الزور طبقا لمقتضيات الفصلين 418و419 من ق.ل.ع. ([1]) فإن الواقع العملي ينبئ عن اتجاه القضاء نحو اعتبار المحاضر المحررة من طرف مفتش الشغل مجرد بيان عادي([2]).
وفي نفس السياق يؤكد بعض رجال تفتيش الشغل بأن القضاء يتعامل مع محاضرهم بنوع من انعدام الجدية، إذ أن عددا مهما من المحاضر المحالة على القضاء يتم إرجاعها إلى المندوبية الإقليمية لوزارة التشغيل وبعد مدة طويلة من إحالتها، وذلك بالاستناد إلى ذرائع مختلفة([3]). وهو الوضع الذي نادى مفتشوا الشغل بضرورة تجاوزه([4])، ودفع البعض إلى اعتبار مفتش الشغل بمثابة جندي بلا سلاح([5]).
وإذا كانت مدونة الشغل قد جاءت بمستجد مهم يتمثل في إمكانية إحالة المحضر الذي يحرره العون المكلف بتفتيش الشغل وبشكل مباشر على القضاء، فإن هذا المعطى الجديد لا يعدو، حسب رجال تفتيش الشغل، أن يكون سوى تغيير لجهاز بجهاز آخر؛ أي تغيير مصلحة التفتيش مصلحة التفتيش المركزية بالنيابة العامة، هذه الأخيرة التي تبقى لها سلطة الملاءمة حيث إحالة المحضر أو عدم إحالته على هيئة الحكم سواء أو بإرجاعه إلى مصدره(38) مكرر.
هذا، وتؤكد الإحصائيات المسجلة برسم سنتي2005و2006 بخصوص المحاضر التي حررها مفتشوا الشغل على المستوى الوطني أن هناك تراجعا في عدد المحاضر المذكورة([6])، وهو تراجع مهما تعددت العوامل الكامنة وراءه، يخفي حقيقة مفادها أن علاقة التعاون والتشارك بين جهاز التفتيش والقضاء لا ترقى إلى المستوى المطلوب([7])، وهو الوضع الذي يمكن تجاوزه متى تم إضفاء الحجية الثبوتية على المحاضر التي يحررها مفتشوا الشغل أثناء زيارتهم للمؤسسات الخاضعة لرقابتهم إن وقفوا على ما لقواعد القانون الاجتماعي.
مفتشية الشغل
_______________________________
[1] جاء في الفصل 418 من ق.ل.ع. ما يلي: “الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون…”
أما الفصل 419من نفس القانون فقد جاء فيه ما يلي: “الورقة الرسمية حجة قاطعة، حتى على الغير في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور…”.
[2] محمد الكشبور-نظام تفتيش الشغل- م.س-ص52.
[3] عن أحد مفتشي الشغل الذي أجرينا معه مقابلة بتاريخ 27/03/2007 بمقر مندوبية وزارة التشغيل بالرباط.
[4] في هذا الإطار توصلنا من خلال مقابلة أجريناها مع أحد موظفي مديرية وزارة التشغيل إلى أن هذه الأخيرة منكبه حاليا على إعداد نماذج محاضر أو محاضر نموذجية دقيقة يحرر مفتش الشغل محاضره على شاكلتها حتى يصل المحضر إلى النيابة العمة دقيقا وواضحا وبالتالي الحيلولة دون إرجاع المحاضر من طرف النيابة العمة إلى الجهات التي أحالتها عليها.
[5] الحاج الكوري-مدونة الشغل الجديدة القانون رقم 99-65-طبعة 2004.-ص337.
sup>38 >مكرر- وفي نفس الإطار نادى مفتشوا الشغل بحقهم في معركة مآل محاضرهم عند إحالتها على القضاء وذلك بمعرفة ما إذا كانت قد أحيلت على هيئة الحكم أم لا، ومعرفة قرار هذه الأخيرة إذا كانت المحاضر المذكورة قد أحيلت عليها.
[6] بالرجوع إلى إحصائيات سنتي 2005و2006 بخصوص المحاضر التي حررها مفتشوا الشغل على المستوى الوطني، يلاحظ أن محاضر المخالفات سجلت انخفاضا ملحوظا من 8487 محضر سنة 2005 إلى 6032 محضر سنة 2006كما أن محاضر الجنح انخفضت بدورها من 88 محضر سنة 2005إلى 56محضر سنة2006.
– للمزيد من التفاصيل حول الإحصائيات المذكورة انظر الملحق
[7] من أهم الأسباب الكامنة وراء تراجع عدد المحاضر كون مفتش الشغل يعرف مسبقا مآل محضره والتعامل الذي سيلقاه من طرف القضاء من جهة مع كونه يخشى المتابعة من جهة أخرى، مما يدفعه إلى الاعتماد أكثر على لباقته وخبرته لإقناع المشغل باحترام القانون عوض تحرير محضر يثبت فيه المخالفات التي تم ضبطها – لاطلاع على مرحل القضية التي توبع فيها مفتش الشغل زين العابدين قاشة أنظر الملحق .