الالتزام باحترام مدة الائتمان – الفقرة الرابعة :
طبقا لما هو متعارف عليه في إطار القواعد العامة يمكن أن يترتب عن إنهاء المؤسسة البنكية بإرادتها المنفردة لعقد فتح الاعتماد خطأ عقدي يوجب المسئولية ،حيث انه من خلال مقتضيات الفصل 230 من قانون ق ل ع نستنتج أن العقد يستمد قوته الملزمة من إرادة المتعاقدين المشتركة و لا يكون له من أثر ملزم إلا بالنسبة لعــاقديه[1]،
و هذا يعني أن القيام البنك بإنهاء فتح الاعتماد يخول للزبون المعني بالأمر الحق في مطالبتها بتعويضه عن الضرر الذي لحقه بسبب هذا الخطأ إلا أن الأمر يفرض علينا التمييز بين إنهاء البنك لفتح الاعتماد المحدد المدة و إنهاء الاعتماد الغير المحدد المدة.
أ-إنهاء البنك لعقد فتح الاعتماد محدد المدة:
الأصل في عقود فتح الاعتماد المحدد المدة أنه من الواجب على البنك الاستمرار في تقديم الاعتماد إلى الزبون حتى نهاية المدة التي التزم بموجبها تقديم الاعتماد،إلا انه استثناء يحول دون إعمال نتائج القوة الملزمة للعقد مدد المدة فيما يخص العلاقة بين البنك وزبونه المستفيد من الاعتماد ،و الأمر هنا يتعلق بطابع الاعتبار الشخصي الذي تقوم عليه علاقة فتح الاعتماد،حيث أنه متى وقعت مستجدات من شانها أن تزعزع ثقة البنك في الزبون المستفيد تخول له حقا في الإقدام على إنهاء هذا الاعتماد،إلا أن هناك اختلافات عدة حول ماهية الوقائع التي “تؤثر في الاعتبار الشخصي و تبرر للبنك إنهاء الاعتماد”
ففي هذا الإطار يرى بعض الفقه[2] ،أنه فيما يتعلق بعناصر الاعتبار الشخصي اللصيقة بشخص الزبون كوفاته أو فقدانه للأهلية أو الحكم عليه من أجل جناية تبرر للبنك القيام بوضع حد لفتح الاعتماد المحدد المدة ،قبل انتهاء هذه الأخيرة ،و يرى فقه آخر أن مثل هذه المبررات لا تجيز للبنك إنهاء فتح الاعتماد بالنظر للإمكانية تحمل ذوو حقوق الزبون أو ورثته بالتزاماته في حالة الوفاة.
أما في ما يتعلق بعناصر الاعتبار الشخصي الراجعة إلى المركز المالي للمستفيد من الائتمان ،فإن اختلاف الفقه حول تحديد هذه العناصر يجد مصدره في غموض مفهومي الوضعية المالية الميئوس منها للزبون و مفهوم التوقف عن الدفع على عقود فتح الاعتماد و الآثار المترتبة عنه.
ففي ما يتعلق بالمفهوم الأول ،فإن تبرير أحقية البنك في إنهاء عقد فتح الاعتماد بسبب الوضعية الميئوس منها للزبون يدور وجودا و عدما مع وجهة نظر كل طرف على حدى حول الظروف المالية و الاقتصادية التي يتم البناء عليها في اعتبار كون الزبون في وضعية مالية صعبة و ميئوس منها تبرر للبنك عدم الاستمرار في دعمه بواسطة الائتمان البنكي.
أما فيما يخص مفهوم التوقف عن الدفع ،فإن أحقية البنك في إنهاء الاعتماد الممنوح للزبون الموجود في هذه الحالة لا يكون إلا في إطار التشريعات التي يترتب على التوقف عن الدفع إفلاس المدين ،في حين أن التوقف عن الدفع في بعض التشريعـــات
و منها المغربي لا يرتب سوى التسوية القضائية[3].
و في المقابل نجد أن المادة 525 من مدونة التجارة تعطي للبنك أحقية قفل الاعتماد و لو كان محدد المدة و بدون أجل عندما يكون فيها المستفيد في حالة توقف بين عن الدفع و يقصد به في هذه الحالة كون المقاولة في وضعية غير قابلة للإصلاح بصفة نهائية.
و من بين الحالات التي تبرر أحقية البنك في إنهاء فتح الاعتماد المحدد المــدة
وبدون إشعار سابق تلك المنصوص عليها في الفقرة 4 من المادة 525 من مدونة التجارة و هي التي يرتكب فيها الزبون خطأ جسيما في حق البنك مقدم الاعتماد ،شريطة أن يتبث البنك أن تصرف الزبون سبب له ضرر و انه لم يكن بوسعه تفادي حصول هذا الضرر بفعل خطورة السلوك الخاطئ للزبون[4]
ب-إنهاء البنك فتح الاعتماد غير المحدد المدة:
فباعتبار كون المبدأ في الاعتماد الغير المحدد المدة أن يكون لكل طرفيه الحق في إنهائه في أي وقت شاء ،فإن هذا يعني أن للبنك مانح الاعتماد الحق في إنهائه كما للزبون المستفيد نفس الحق يمارسه عن طريق عدم استخدامه للاعتماد المفتوح له ،فإذا كان هذا لا يثير أي إشكال ،فإن الجدل قد يثار بشأن محاولة التوفيق بين مصالح طرفي عقد فتح الاعتماد المتعارضة عند إقبال أحدهم على إنهائه للعقد.
و في هذا الإطار تضاربت الآراء الفقهية سواء حول ما إذا كان البنك الراغب في وضع حد للاعتماد غير محدد المدة ملزم تحث طائلة ترتيب مسئوليته المدنية ،بإشعار الزبون المعني بالأمر بقراره قبل إنهاء الاعتماد و إعطائه مهلة لتدبير شؤونه ،أم ان البنك غير ملزم بذلك مادام العقد الذي يربطه بهذا الزبون لا يتضمن مثل هذه المقتضيات.
فهناك من يرى ،في هذا الإطار بعدم إلزام البنك بإخطار الزبون بقراره الرامي إلى إنهاء عقد الاعتماد غير محدد المدة مع إعطائه أجلا بها الخصوص و ثم تبرير هذا الرأي على اعتبار أن فرض مثل هذه الشروط على البنك يتنافي مع الأعراف و العادات المصرفية التي لم تجر على ذلك بسبب ما للمهلة التي تسبق الإنهاء من مخاطر على البنك الذي يكون إنهاء العقد بالنسبة إليه في هذه الحالة عديم الفائدة [5]، حيث أنه قد يلجأ الزبون إلى استنفاد مبلغ الاعتماد المعني بالأمر أثناء المدة التي ستعطاه .
إلا أنه في المقابل هذا الرأي فهناك من يرى بأن البنك قبل إقدامه على إنهاء عقد فتح الاعتماد غير المحدد المدة ملزم بإخطار المستفيد من الاعتماد بقراره و منحه أجلا للبحث عن مصادر تمويلية أخرى بالنظر إلى ما قد يترتب من مفاجأة للبنك للزبون بإقفال فتح الاعتماد من أضرار بالغة بل اعتبره بعض الفقه ذلك بمثابة خطأ في حق المستفيد يرتب المسئوولية على المؤسسة البنكية.
و خلاصة القول فإن ما يميز الائتمان البنكي كونه ذو بعدين متناقضين حيث يمكن أن يكون إيجابيا لمن يستفيد منه بإعتبار انه يساهم في مساعدة الزبون على تحقيق مشارعه وأغراضه ومن جهة أخرى يمكن أن يكون سلبيا في حالة عدم تقيد البنك المانح بالأحكام و القواعد القانونية المقررة في هذا المجال ،و لتفادي هذا الجانب السلبي قرر المشرع مسائلة المؤسسة البنكية مما قد يلحق سلوكها من أضرار بالنسبة للمستفيد .
و هذه الأحكام المتعلقة بالمسؤولية تساهم بشكل أو بآخر في إقراره التوازن في المصالح بين الزبون و البنك ،إلا أنه يلاحظ على المستوى العملي في إطار مبدأ حرية البنك في توزيع الائتمان كون البنوك تطبق هذا بشكل معين حيث تهيمن الاعتبارات الذاتية على الأخرى الموضوعية بكيفية تجعل البنك متعسفا في استعمال حقه المتمثل في حرية توزيع الائتمان.
عمليات الإئتمان البنكية
_________________________
[1] المختار بن أحمد عطار:الوسيط في القانون المدني –مصادر الالتزامات-مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء،الطبعة الأولى 2002 ،ص :190
[2] هذه الآراء الفقهية أوردها محمد لفروجي :العقود البنكية بين مدونة التجارة و القانون البنكي ،المرجع السابق ،ص:428 .
[3] – للمزيد من التفاصيل في هذا الإطار ،أنظر مرجع أستاذنا الفاضل د ،محمد لفروجي ،صعوبات المقاولة والمساطر القضائية الكفيلة بمعالجتها ،مطبعة النجاح الجديدة ،الطبعة الأولى سنة 2002 ،ص 123 وما بعدها .
[4] – محمد لفروجي العقود البنكية ،المرجع السابق ،ص :431 .
[5] – مينى حربى:موقف البنك من تمويل المقاولة التي تعترضها صعوبات مالية ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،وحدة قانون التجارة و الأعمال جامعة محمد الخامس السويسي ،السنة الجامعية 2003-2004 ،ص :50 .