وظائف الزوايا في المغرب وأدوارها

وظائف الزوايا وأدوارها – المبحث الثالث :
المطلب الأول : الوظيفة الدينية والعلمية للزوايا
أولا : الوظيفة الدينية والعلمية
تباينت الآراء حول مؤسسة الزاوية وتشعبت البحوث حول تحديد مفهوم يمكن الاتفاق عليه لتعريفها أو تاريخ محدد لنشأتها إلا أن هذا الاختلاف يتلاشى في مسألة الوظائف التي مارستها ولا تزال تمارسها ، فلا خلاف في أن الزواية أولا مؤسسة دينية تمارس فيها العبادات من صلاة وتلاوة القرآن والأذكار ومن اعتكاف ومدارسة للعلوم، فهنالك تلازم عميق وترابط وثيق بين الزاوية ووظيفتها الدينية والعلمية، إذ تنطلق من تربية روحية ومعرفية في آن واحد وتستهدف في المريد أن يقوي إيمانه بالله تعالى ويتعلم شرع الله ، فالزاوية لم تفصل بين رسالتها الدينية ومهمتها العلمية ، بل جعلت من المهتمين معا صورة واحدة للإسلام الصحيح الذي لا يقبل التجزيء او الفصل بين الإيمان والعلم والعمل [1].

ثانيا: تحفيظ القرآن الكريم والقراءات
أجمع شيوخ الزوايا على تحفيظ القرآن الكريم لمن يرتاد زواياهم من أطفال ومريدين وطلبة، إذا كان الأطفال يبدؤون في سن مبكر بحفظ الحروف الهجائية يحفظون فاتحة الكتاب فسورة الناس، فسورة الفلق، ولا يزالون يوالون حفظ سور القرآن الكريم.

كما تمثلت عناية الزوايا بالقرآن الكريم في دراسة القراءات القرآنية وتعليم الرسم القرآني،وهكذا يحفظ المريد والطالب القرآن كتابة، رسما وضبطا ويحفظ القراءات وقواعد التجويد، ثم يشرع في دراسة تفسير معاني القرآن الكريم، مستعينا في ذلك بما يحفظه من متون كالأجرومية والألفية،كما يدرس أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وغيرها من علوم القرآن.

ثالثا : تحفيظ الحديث
بعد أن يختم المريد القرآن الكريم ختما يشرع في حفظ الحديث النبوي حيث يبدأ بحفظ الأربعين النووية أولا، وبعد استظهارها ينتقل إلى حفظ غيرها من الأحاديث من موطأ الإمام مالك ومن صحيح البخاري ومسلم، ومن كتاب الشفا للقاضي عياض، وتتنوع مواضيع هذه الأحاديث من أحاديث العقيدة وأحاديث العبادات وأحاديث الأحكام والأخلاق والسلوك وغيرها [2].

رابعا : تدريس الفقه وأصوله
تقوم مؤسسة الزوايا بالمغرب بتدريس الفقه المالكي ويتم التدرج بالمريد والطالب في دراسة المسائل الفقهية من خلال الموطأ وشروحه والبيان والتحصيل والمقدمات وغيرها من الأمهات ، وفي العصور المتأخرة وضعت منظومات تسير للمريد معرفة أحكام الفقه المالكي في إيجاز واختصار، أصبحت تحفظ وتستظهر عن ظهر قلب منها المرشد المعين، ومنظومة العاصمية وغيرها

خامسا : المكتبات
قامت الزوايا بدور مهم في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية وغيرها، ولعل من أبرز الشواهد على ذلك هو المستوى الثقافي ما خلفته هذه الزوايا في مختلف العصور من مكتبات زاخرة بتراث نفيس، وناذرا ما نجد مثيله في المكتبات العالمية.

ثم إن حجم هذه المكتبات وقيمة محتوياتها تختلف من زاوية إلى أخرى، وتتفاوت بين الزاوية الأم والزاوية الفرعية ولكن الشيء الملاحظ هو أن الزاوية مهما كان حجمها أو مكانتها، لا تكاد تخلو من خزانة للكتب ،وهذا وإن دل على شيء ، فإنما يدل على ارتباط الممارسة الصوفية بالعلوم الشرعية ارتباطا وثيقا [3].
من خلال هذه الأدوار جميعا لعبت الزوايا في تاريخ المجتمع المغربي أدوارا ثقافية وتأطيرية وسياسية ،اختلف عمقها باختلاف الظروف المعطيات.

وهكذا خلفت الزوايا تراثا هائلا كما أنهم ساهموا في نقل الثقافة المشرقية إلى المغرب، من خلال ما حملوه من مؤلفات أثناء رحلاتهم الصوفية، وما تعلموه من علوم بثوها في مؤلفاتهم أو درسوها لتلامذتهم ومريديهم.

المطلب الثاني :الوظيفة الاجتماعية للزوايا
وظائف الزوايا في المغربكانت الزاوية لا تزال تقوم بوظائف سامية في المجتمع المغربي خاصة وفي العالم الإسلامي عامة، وهاته الوظائف لم تقتصر على المجال التعبدي والعلمي كما سبق الإشارة إليه بل تعدت ذلك إلى المجال الاجتماعي فما هي أهم الوظائف الاجتماعية لمؤسسة الزواية ؟

1- التكافل الاجتماعي :
اشتهرت الزاوية بإسهامها الكبير في التكافل الاجتماعي بمختلف أنواعه ونورد هنا بعض مظاهره كالمساعدة على الإيواء وإطعام الطعام وفي هذا الصدد يقول الدكتور عبد اللطيف الشاذلي موضحا دور الزاوية في هذا المجال :” تمثل عمليات الإيواء والإطعام عنصرا أساسيا في الجهاز الصوفي ونخرج من قراءة نص التشوف بانطباع واضح قوامه أن حركة الصلحاء بشكل كبير وبأعداد كثيرة ومظاهر تلك الحركة متنوعة كانتقال القروي إلى المدينة أو انتقال الحضري من مدينة إلى مدينة فلو لم يكن الأمن فيه قائما ولا الاستقرار دائما ما كانت لتتم البنية الاستقبالية التي تهيء نظام الإيواء والإطعام المرتبط بجهاز التصوف وهو نظام تطوعي تكافلي مبني على التعامل بالمثل بكيفية توفر لكل مسافر من الصوفية إمكانية الاستفادة من بنية استقبال في أي مكان ذهب إليه[4].

ولا شك أن هذه الوظيفة كانت تجتذب عددا من الناس وتصور ما تقول الرواية التالية:” فقد تساءل بعض الطلبة بفاس عن كيفية قضاء ليلتهم فقال بعضهم هل لكم في المبيت معهم ( المريدين) فتتفرج في حضرتهم أي السماع وتشبع من الكسكسو”[5] فكان هذا الجانب النفعي عنصر جاذبية لاشك فيه.
كذلك كان للصوفي دور بارز في التصدق على المحتاجين وبتفريق ما يحتاجه الفقراء من المأكل والمشرب أما في القوت الحاضر فتطور دور الزاوية من الناحية الاجتماعية فلم يقتصر على إطعام الطعام وإيواء المحتاجين بل تعدت إلى توفير كل ما يحتاجه الإنسان الفقير من لوازم مدرسية عند الدخول المدرسي وتقديم دروس التقوية والدعم إضافة إلى إلقاء دروس توعوية في المجال الديني والاجتماعي.

المطلب الثالث: الوظيفة السياسية
1- الجهاد
فالزاوية إلى جانب كونها عبارة عن مدارس تربوية وأخلاقية وتثقيفية فقد كانت بمثابة حصون عسكرية تعمل على التسلح من اجل الجهاد في سبيل الله من الناحية العسكرية وكذلك تسليح المجاهد من الناحية النفسية بتصحيح حقيقة الإيمان وتقوية اليقين في الله تعالى ،وتطهير النفس من التعلق بهاته الدار الفانية لأن المسلم المرابط إذا لم يكن قوي اليقين في الله تعالى لا تتوفر لديه القوة المعنوية التي هي الركن الأساسي لتكوين الجندي المجاهد الشجاع فالمؤمن المسلم المرابط بالزاوية تتكون لديه القناعة الكاملة بما وعد الله به المجاهدين

ففي جهاد النفس والصبر على نزواتها وشهواتها قال تعالى :” والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا “[6] ومعلوم ان جهاد النفس أشد جهاد وأصعبه وأدومه وهو جهاد الليل والنهار وفي العسر واليسر، وفي الضيق والسعة وفي العقيدة والعبادة والمعاملة وفي العزلة عن الناس والاجتماع بهم وهو جهاد بالفكر والذكر والصوم والصبر وكل أسباب التقوية الروحية ،وهو جهاد يستدعي أن يكون الإنسان يقظا واعيا “[7] فالصوفي الحقيقي هو الذي يهتم بتصفية نفسه، وتزكيتها ومجاهدتها للانتقال من النفس الأمارة إلى اللوامة المطمئنة فالراضية فالمرضية.

وهذه المجاهدة النفسية هي التي لا تزال الزاوية تقوم بوظيفتها أما الجهاد العسكري فقد تقلص دوره وانعدم بخروج المستعمر واستقرار الدولة سياسيا وعسكريا تحت ظل الدين والقانون.

2- الصلح والتحكيم
إن من أهم الوظائف الزاوية قيامها بدور التحكيم للفصل في مشاكل الأفراد والجماعات المحيطة بها، نظرا لما يرمز إليه شيخ الزاوية من تجسيد للحقيقة والحق والعدالة الدنيوية والأخروية.
ويتدرج عمل شيخ الزاوية في هذا المجال من التوسط لتحقيق الصلح بين الأفراد إلى دور التوسط بين القبائل لحل مشاكلهم مع بعضهم البعض أو بين بعضهم مع ممثلي السلطة [8]

بل وفي بعض الحالات يتدخل شيخ الزاوية لتحقيق الصلح بين المتنازعين على السلطة فهو بذلك بشكل عامل استقرار وأمن لأنه يطفئ نار الفتن والحروب الأهلية ويحقن الدماء ويؤلف بين القلوب المتنافرة والاتجاهات المتصارعة “[9].
الفصل الأول : مؤسسة الزوايا ودورها في المجتمع المغربي
الزوايا في المغرب
_________________________________________________
[1] – نفس المصدر السابق.
[2] – نفس المرجع ، ص: 1/ 262.
[3] – المصدر السابق ج 1 ، ص 264.
[4] – د.الشادلي ، التصوف والمجتمع ، 134.
[5] – محمد الفاسي، ممتع الإسماع ، ص 98.
[6] – العنكبوت الآية 69.
[7] – حسن أيوب،الجهاد والفدائية في الإسلام ، 32.
[8] – جمال الدين القادري ،مؤسسة الزاوية بين الأصالة والمعاصرة ، ص 383.
[9] – محمد مفتاح ، الخطاب الصوفي ص 5.

قرأوا أيضا...

فكرتين عن“وظائف الزوايا في المغرب وأدوارها”

  1. شيخ المحترم
    > أنا من الجزائر أعاني من المس الشيطاني عن طريق السحر منذ 30 سنة قد
    > أتصلت بعدة فقهاء في الجزائر في عدة مدن وعالجوني ولا فائدة من الأعراض
    > فالتي أعاني منها فمي فيه طياب و شلفاط ويخرج في جسدي حب متنوع و عندي
    > تهييج في الغريزة الجنسية على النساء اكرمك الله و لست
    > متزوج و أكره الزواج و أكره أخي و أفضل الإعتزال يا سيدي الشيخ أرجوك
    > أنقضني منه الحالة أني أعاني من المرض أكثر و حالتي مزرية أناشدك أن
    > تلقلي حل بهذه المشكلة المستعصية
    أرجوكم بإفادتي برقم أو عنوان معالجين روحانيين جزائكم الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.