دراسة الإجتهاد المقاصدي في فتاوى المجتمع ومعاملاته للشيخ القرضاوي

4- مجال المجتمع ومعاملاته :
تشميت العاطس : حكمه وحكمته :

تشميت العاطس فرض كفاية، يخاطب به الجميع ويسقط بفعل البعض.

وإذا عرفنا حكم تشميت العاطس فقد آن لنا ان نستجلي وجه الحكمة والمصلحة في ذلك ، وهي تتجلى في ثلاثة أمور:

أولا : إن اتجاه الإسلام في آدابه عامة إلى ربط المسلم بالله في كل أحيانه وعلى كافة أحواله، يجعله ينتهز الفرص الطبيعية والمناسبات العادية التي من شانها إن تحدث وتتكرر كل يوم مرة أو مرات، ليذكر المسلم بربه، ويصله بحله ، فيذكره تعالى مسبحا أو مهللا ، أو مكبرا أو حامدا، أو داعيا .

فلا غرابة أن يعلم المسلم إذا عطس أن يحمد الله تعالى، وأن يقول سامعه:

يرحمك الله.. وبهذا تشيع المعاني الربانية في جو المجتمع المسلم،شيوعها في حياة الفرد المسلم .

أما تخصيص العاطس بالحمد، فقد قال العلامة الحليمي :” الحكمة فيه أن العاطش يدفع الأذى من الدماغ ، الذي فيه قوة الفكر، فيظهر بهذا أنها نعمة جليلة، فناسب أن تقابل بالحمد لله، لما فيه من الإقرار لله بالخلق والقدرة وإضافة الخلق إليه لا إلى الطبائع .

وأما قول السامع: يرحمك الله، فقد أكد القاضي ابن العربي في ذلك : أن العاطس ينحل كل عضو في رأسه وما يتصل به من العنق ونحوه، فكأنه إذا قيل له : يرحمك الله ، كان معناه : أعطاء الله رحمة يرجع بها بدنك إلى حاله قبل العطاس، ويقيم على حاله من غير تغير .

ثانيا : كما تحرص الآداب الإسلامية على ربط المسلم بإخوانه المسلمين، أي إشاعة معاني الإخاء والمحبة والتواد بين الناس، فهي التي تجعل للحياة طعما، وتعين على فعل الخير ، وتطرد الكآبة والتعاسة من حياة الجماعة، ولا عجب أن جاء أدب العطاس في هذا الخط، ليقر لونا من ألوان ” المجاملة” الاجتماعية الطيبة ، التي تنافي الجفوة والتقاطع والهجران، وتثبت معاني التواصل والمودة والرحمة .

ثالثا : إن الإسلام جاء في هذا الأدب بما أبطل به اعتقادات الجاهلية التي لم تقم على أساس من عقل أو نقل، وما نشأ من هذه الاعتقادات من عادات مستقبحة في الفطرة، ضارة بالحياة، فقد ذكر العلامة ابن القيم أن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون بالعطاس ويتشأمون منه، كما يتشأمون بالبوارح والسوانح، فكان الرجل في الجاهلية إذا سمع عطاسا، يقول : بك لا بي، أي أسأل الله أن يجعل شؤم عطاسك بك لا بي ، فلما جاء الإسلام أبطل هذا الظلال ، وشرع للمسلمين الدعاء للعاطس .

المقصد من آداب الطعام الواردة في الأحاديث النبوية مثل : لعق الأصابع بعد الأكل ولعق الإناء ، والحث على تناول اللقمة التي سقطت وأكلها بعد إزالة ما تلوث منها :

الحق أن روح السنة التي يؤخذ من هذه الأحاديث هو تواضعه صلى الله عليه وسلم ، وتقديره لنعمة الله تعالى في الطعام ، والحرص على ألا يضيع منه شيء هدرا بغير منفعة، كبقايا الطعام التي تترك في القصعة أو اللقم التي تسقط من بعض الناس فيستكبر عن التقاطها، إظهارا للغنى والسعة، وبعدا عن مشابهة أهل الفقر والعوز، الذين يحرصون على الشيء الصغير، ولو كان لقمة صغيرة.

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتبر اللقمة إذا تركت إنما تترك للشيطان، إنها تربية نفسية، وأخلاقية ، واقتصادية في الوقت نفسه ، لو عمل بها المسلمون ما رأينا الفضلات التي تلقى كل يوم- بل كل وجبة – في سلة المهملات، وأوعية القمامة،ولو حسبت على مستوى الأمة المسلمة لقدرت قيمتها الاقتصادية كل يوم بالملايين ، فكيف بها في كل شهر أو في كل سنة كاملة ؟

هذه هي الروح الكامنة وراء هذه الأحاديث ، ورب امرئ يجلس على الأرض ويأكل بأصابعه ، ويلعقها – اتباعا للفظ السنة – ولكنه بعيد عن خلق التواضع ، وخلق الشكر ، وخلق الاقتصاد في استخدام النعمة، التي هي الغاية المرتجاة من وراء هذا الأدب .
فهرست الموضوعات
المـقـدمـة
الفصل الأول : التعريف بالشيخ يوسف القرضاوي :
1- مولده ونشأته ومؤهلاته العلمية
2- أعماله الرسمية
3 – جهوده ونشاطاته في خدمة الإسلام
4 -مؤلفاته الفصل الثاني : التعريف بالاجتهاد المقاصدي :
1 تعريف الاجتهاد في اللغة والاصطلاح
أ تعريف الاجتهاد في اللغة
ب تعريف الاجتهاد في الاصطلاح
2 تعريف المقاصد في اللغة والاصطلاح
أ تعريف المقاصد في اللغة
ب تعريف المقاصد في الاصطلاح
3 مفهوم الاجتهاد المقاصدي
الفصل الثالث : تاريخ الاجتهاد المقاصدي
1 الاجتهاد في العصر النبوي
– مقاصد السنة
– مقاصد النسخ في الأخبار
– مقاصد التعارض والترجيح
2- الاجتهاد المقاصدي في عصر الصحابة
– وراثتهم النبو ونقله إلى كافة أجيال الأمة
– أثارهم في المقاصد
– الوقائع التي اجتهدوا فيها
– إجمالهم على ترك الحي
3-الاجتهاد المقاصدي في عصر التابعين
– وراثتهم لعلم الصحابة وهدي النبوة
– أخذهم بالنص والمصلحة والقياس
– اختلاف عصرهم عن عصر الخلافة
– اجتهادهم في النوازل
– إنكارهم للحيل
4- الاجتهاد المقاصدي في عصر أئمة المذاهب
– وراثتهم للهدي النبوي وعلم السلف
– أصولهم في الاستنباط
– مقاصدية الاستحسان
– مقاصدية المصلحة المرسلة
– مقاصد العرف
– مقاصدية سد الدرائع
– مقاصدية النوازل التي اجتهد فيها الأمة
5-الاجتهاد المقاصدي عند عموم الفقهاء والأصوليين :
– مظاهر الاجتهاد المقاصدي عند عموم الفقهاء والأصوليين
– التصريح بالمقاصد الشرعية
– الفروع الفقهية والأمثلة التطبيقية
– القواعد الشرعية
– مستثنيات القواعد
– مراعاة الخلاف وتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والحال
– الاعتداد بالمصاب التبعية
– مشاهير علماء المقاصد الفصل الرابع : ضوابط الاجتهاد المقاصدي ومجالاته
أ – ضوابط الاجتهاد المقاصدي
1 -دواعي العمل بالضوابط المقاصدي
2 -الضوابط العامة والشروط الاجمالية للاجتهاد المقاصدي
– شرعية المقاصد وربانيتها
– شمولية المقاصد وواقعيتها وأخلاقها
– عقلانية المقاصد .
3 – الضوابط الخاصة للاجتهاد المقاصدي :
– ضوابط المصلحة المرسلة
– ضوابط العرف
– ضوابط التعليل ب
– مجالات الاجتهاد المقاصدي
1 -القطعيات التي لا تقبل الاجتهاد المقاصدي
– العقيدة
– العبادة
– المقدرات
– أصول المعاملات
– عموم القواطع
2-الظنيات التي تقبل الاجتهاد المقاصدي :
– الوسائل الخادمة للعقائد
– الوسائل الخادمة للعبادة
– كيفيات بعض المعاملات
– النوازل الاضطرارية
– المسائل المتعارضة
– عموم الظنيات الفصل الخامس : منهج الشيخ يوسف القرضاوي في الافتاء المقاصدي
1- عدم التعصب والتقليد
2 – التيسير وعدم التعسير
3 – مخاطبة الناس بلغة العصر
4 – الإعراض عما لا ينفع الناس
5 – الاعتدال بين المتحللين والمتزمتين
6 – إعطاء الفتوى حقها من الشرح والإيضاح
الفصل السادس : مظاهر الاجتهاد المقاصدي من خلال فتاوى الشيخ يوسف القرضاوي
: 1- مجالات العبادة :
أ- الطهارة والصلاة :
– المسح على الجوربين
– الحكمة من الاغتسال من الجنابة
– الحكمة من صلاة الكسوف والخسوف
– صلاة المأموم منفردا خلف الصف
ب- الصيام والزكاة
-الحكمة من السحور
-إخراج الفطرة بقيمتها من النقود
-زكاة الرواتب والأجور ج
– الحج والعمرة
– حج التطوع أو الصدقة
– مقام إبراهيم هل يجوز نقله من مكانه ؟
2- مجال شؤون المرأة
– الحكمة من الزواج والجماع
– عدة المطلقة قبل الدخول بها
– حكم المهر وحكمته
– حكم زواج المسلم من الكتابية
– حدود وعودة الرأة
3- مجال الطب والصحة :
– موقف الإسلام من الاستنساخ
– حكم إجهاض الناشئ عن الاغتصاب
– حكم زرع عضو حيوان نجس في جسم إنسان
– حكم زرع الخصية
4- مجال المجتمع ومجالاته .
– تشميت العاطس : حكمة وحكمته
– نبش مقبرة قديمة للمصلحة
– المقصد من آداب الطعام الواردة في الأحاديث النبوية5
– مجال الحكم والسياسة
– حكم دخول مسلمي الأرض المحتلة برلمان الدولة اليهودية
– حكم مشاركة الفرد والجماعة المسلمة في حكم غير إسلامي
– حكم تعدد الأحزاب في ظل الدولة الإسلامية
خاتمة
______________________________
– فتاوى معاصرة ، ج1 ص 670.
– كيف نتعامل مع السنة … د.يوسف القرضاوي ، ص 143.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.