الإستعارات البنيوية

المقاربة المعرفية للاستعارة – الفصل الثاني:
ج-تصور لايكوف وجونسون للاستعارة :
ب- أنواع الاستعارات:
الاستعارات البنيوية:
تتأسس الاستعارات البنيوية ، شأنها شأن الاستعارات الأنطلوجية والاتجاهية، على ترابطات نسقية داخل تجربتنا، فاستعارة الجدال الحرب، تسمح بإقامة تصور لما هو الجدال العقلي بالاستعانة بشيء نفهمه بطريقة أسهل، وهو الصراع الفيزيائي ( الحرب). نجد العراك في مملكة الحيوانات التي تسعى إلى الحصول على ما تحتاجه من فرائس وملكية أو سلطة … لأن حيوانات أخرى ترغب في الأشياء نفسها وتريد منع الآخرين من الحصول عليها. ينطبق الأمر نفسه على البشر، إلا أن كوننا “حيوانات عاقلة” جعل صراعاتنا ومعاركنا، ومنها الحرب، مؤسساتية بطرق متعددة.  إلا أنه رغم هذا الطابع المؤسساتي فإن ” البنية الأساس للمعركة تظل في العمق ثابتة لا تتغير.

ففي المعارك التي تدور بين حيوانين لاحظ العلماء عددا من الممارسات: التحدي قصد تخويف العدو وغزو مساحته، والدفاع عن الموقع والهجوم والهجوم المضاد والانسحاب أو الاستسلام. والمعركة البشرية تتضمن كل هذا ”  إلا أن الجانب الإيجابي في كوننا حيوانات عاقلة يحصل بقدرتنا على نيل ما نريده دون اللجوء إلى صراع مادي حقيقي، ولهذا ابتكرنا مؤسسة الجدال الكلامي الاجتماعية.

إننا نتجادل باستمرار في سبيل بلوغ غاياتنا ” وأحيانا فقط تتحول هذه الجدالات إلى عنف فيزيائي، إننا نعيش هذه المعارك الكلامية بنفس صيغة المعارك الفيزيائية تقريبا…” ولتوضيح طبيعة العلاقة بين المعركة الكلامية والمعركة الفيزيائية قدم الباحثان مثالا عن خصام بين زوجين: إذ يسعى كل من الزوج والزوجة إلى تحقيق غاياتهما عن طريق حمل الآخر على تبني رأي معين بصدد إحدى المشاكل أو حمله على التصرف آخذا بعين الاعتبار ذلك الرأي على الأقل ، فكلاهما يتصور أن هناك شيئا سيربحه أو سيخسره.

وأن هناك مساحة يغزوها ومساحة يدافع عنها ”  ففي الجدال نهاجم، ندافع ،نستسلم،و نهرب باستعمال كل الوسائل الكلامية المتاحة: التحدي ، التهديد ، الشتم ، التسلط ، المساومة ، الإطراء…وكذلك محاولة تقديم ” حجج عقلية ” إلا أن هذه الوسائل التكتيكية قد تقدم على شكل أسباب ومثال ذلك :
1-…لأنني أقوى منك. (تحد )
2-…لأنكِّ إن لم تفعل فسأضطر إلى كذا وكذا. ( تهديد )
3-… لأنني أنا الرئيس. ( تسلط)
4-… لأنك غبي. ( شتم)
5-… لأنك تتصرف عادة بشكل سيء .( استخفاف)
6-… لأنني ، مثلك تماما، لي الحق في ذلك.( تحدي التسلط)
7-… لأنني أحبك. ( تهرب )
8-… لأنك إذا فعلت كذا فإنني سوف … ( مساومة )
9-… لأنك الرجل المناسب للقيام بذلك. (إطراء)

تبين الأمثلة السابقة أن الجدالات المستعملة لهذا النوع من الوسائل التكتيكية هي الأكثر شيوعا في ثقافتنا ، ونظرا لارتباطها الوثيق بحياتنا اليومية ، فإننا لا نكاد ننتبه إليها.إلا أن هذه الوسائل التكتيكية السابقة ( التحدي،المساومة،التسلط، الاستخفاف،التهديد) تعتبر غير عقلية خاصة في الأوساط الأكاديمية والقانونية والديبلوماسية والدينية والصحفية ، حيث يتم انتهاج صيغة أسمى في الجدال العقلي وحيث الوسائل التكتيكية المسموح بها هي  :
-إقامة مقدمات منطقية.
-سرد براهين تؤكد هذه المقدمات.
-رسم استنتاجات منطقية.

غير أنه حتى في أكثر الحالات المثالية التي تتوافر فيها هذه الشروط فإن الجدال العقلي يدرك وينفذ بواسطة الحرب، فهناك دائما مساحة نغزوها وأخرى ندافع عنها ، ويمكن أن نربح أو نخسر. ولا تقوم الاستعارة البنيوية” الحرب جدال” على أساس الارتكاز على معرفتنا وتجربتنا مع المعركة الفيزيائية، بل إن طريقتنا في إنجاز الجدال ترتكز على ذلك. والدليل على ذلك إمكانية تحول بعض جدالاتنا إلى ضرب وعنف فيزيائيين، بل إن الجدالات العقلية التي يفترض أنها تصل إلى مستوى مثالي من الجدال العقلي، تتصور وتدرك باعتبارها حربا ، بل إنها تتضمن بشكل خفي الأساليب التكتيكية “غير العقلية ” التي يفترض أن الجدالات العقلية بشكلها المثالي تتجاوزها ، وهذه أمثلة على الأساليب التكتيكية غير العقلية التي تتضمنها الجدالات العقلية ذات الشكل المثالي :
10-الإطراء:
– في مقال مثير يتحدث فلان عن كذا وكذا.
-إنه يطرح في مقاله مشاكل جديرة بالاهتمام.

11-التهرب :
-إنه لم يقدم لنا أية نظرية جديدة.
-يقدم المؤلف فعلا بعض المعطيات التي تناقش ولكن …

12-الشتم   :
-يفتقر هذا العمل إلى الضبط الضروري لكي …
-لنسم نظرية كهاته عقلانية ” ضيقة”

تبين هذه الأمثلة كيف أن هذه الوسائل التكتيكية تحضر حتى في التراكيب المهذبة،فسواء كنا في مقام أكاديمي ، أو في جلسة محكمة، حيث نصبو إلى تحقيق الصبغة المثالية للجدال العقلي ، أو كنا في مقام نحاول أن نبدي سلطتنا فنتكلم بخشونة ، فإننا ندرك جدالاتنا ونتصورها وننجزها وتتحدث عنها بالاعتماد على استعارة “الجدال الحرب”.

خلاصة :
بينت الأمثلة السابقة الخاصة بالاستعارة البنيوية ” الجدل حرب” وذلك الأساس الثقافي القوي الذي تمتلكه هذه الاستعارات ، وكيف أنها انبثقت بشكل طبيعي داخل الثقافة لأن ما تضيئه يطابق بدقة ما نعيشه ونجربه جماعيا ، ولأن ما تخفيه لا يطابق سوى القليل من تجاربنا.
المقاربة اللسانية للاستعارة
المقاربة اللسانية للاستعارة

_________________
– لايكوف وجونسون ” الاستعارات التي نحيابها ” مرجع مذكور،ص  82.
–  لايكوف وجونسون، الاستعارات التي نحيا بها “مرجع مذكور ، ص  82.
–  لايكوف وجونسون ” الاستعارات التي نحيا بها ” مرجع مذكور ، ص 82
–  المرجع نفسه ، ص  84.
— لايكوف وجونسون ” الاستعارات التي نحيا بها ” مرجع مذكور،ص  82
-المرجع نفسه ، ص 83.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.