تنويع فلسفة عقاب المتهربين من أداء الضرائب

2- تنويع فلسفة العقاب
تعتبر النتيجة من فلسفة العقاب هي الحاسم في اختيار الآليات والوسائل الأكثر ردعا للمتهربين، والأضمن تأمينا لإيرادات خزينة الدولة، فقد يتعرض المتهرب من الضريبة إلى غرامات مالية ولا يبالي بها، اعتبارا بأن هذه الغرامات لا تمثل شيء بالنسبة لما تهرب منه، أما العقوبات الجنائية والتي رغم بساطة عقابها[1]، فإن إقرارها في القانون الجبائي حمل بدوره شللها نظرا لتعقد مساطرها فإن هذه العقوبة لم يسبق أن نفذت في حق أي متهرب.

وهكذا تبقى الجزاءات الإدارية والجنائية وإن تم تطبيقها، فإن تأثيرها يبقى ضعيفا إلى درجة الاستهانة بها من لدن كثير من المتهربين، مما يصبح معه لزاما التفكير في إبداع وسائل أكثر ردعا لكل من سولت له نفسه التهرب من الضريبة وذلك من خلال:

أ- التشهير بالمتهربين:
إذ أن التشهير بالمتهربين من أداء الضرائب هدفه إلحاق عقوبة به قد تؤدي إلى إحراجه اجتماعيا، وبالتالي خلق مأزق له في وسطه العملي اقتصاديا أو سياسيا أو اجتماعيا، مما قد ينعكس بذلك عليه ماديا.

إن التشهير يجب أن يتمثل في الإعلان عن كل متهرب: اسمه؛ نسبه؛ مركزه القانوني؛ عنوان سكناه؛ والمبلغ الذي فوته أو كان سيتهرب من أدائه إلى خزينة الدولة، وذلك عبر نشرة إعلامية خاصة بمديرية الضرائب.

بالإضافة إلى وسائل الإعلام السمعية البصرية والمكتوبة لخلق ما يسمى ب “الاتصال المتبادل ذي الصدى“[2] بين الإعلاميين والجمهور، الذي يعتبر طرفا أساسيا في عملية التنمية الاقتصادية والسياسة والاجتماعية، وذلك ليكون على من جهة على بنية ومن جهة أخرى لإذكائه بروح المقاومة للمتهربين.

ب- الحرمان من بعض الحقوق
مثل بعض الحقوق السياسية، وذلك حتى إذا تقدم المتهرب من الضريبة للانتخابات المتعلقة بأي مجال من ميادين تسيير الشأن العام أو الخاص المرتبط ببعض شرائح المجتمع كالجمعيات، كذب في حملته الانتخابية ورشق بالنفاق والكذب لاختلاسه الأموال العامة المتمثلة في الضرائب، ذلك أن من يتهرب من أداء الأموال العامة الواجبة عليه ضريبيا لا يؤتمن على تدبيرها بكل عقلانية في إطار تدبير الشأن العام الذي يعتزم توليه.

فإذا كان الهدف من العقوبة، كما ذهب إلى ذلك كل من “بكاريا” و ” فورباخ” هو منع المجرم من تكرار جريمته، ومنع وقوع جرائم جديدة في المستقبل، فإن جريمة التهرب الضريبي يجب أن تتخذ مسارا آخر، كاعتبارها جريمة مخلة بالشرف والأمانة وبالتالي تحرم المحكوم عليه من تولي الوظائف والمناصب العامة وتفقده الثقة والاعتبار كما أقر ذلك المشرع المصري[3] وهذا ما لا نجده في التشريع المغربي.

إذ أن فقدان الأهلية حسب مقتضيات القانون الانتخابي[4] لم تتضمن حالة التهرب الضريبي[5]، كما يمكن كذلك حرمان المتهرب من الضريبة من ولوج المنافسة على الصفقات العمومية[6] وحرمانه حتى من تولي تسيير بعض الهيئات الخاصة والغرف المهنية  والتعاونيات إضافة إلى إمكانية سحب جواز السفر أو المنع من السفر[7].

كما ينبغي نشر الأحكام الخاصة بالمنازعات الضريبية، التي تكون موضوعاتها التهرب من الضريبة، لتكون حجة قوية على المتهربين وحتى يتجاوب الجمهور مع آلية التشهير يبقى لزاما تأطيره توعويا بدور الضرائب ومدى أهميتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومشاركته في خطط التنمية بإطلاعه على مسالك تدبير المال العام، وتكريس ثقافة المحاسبة والمساءلة.

فالحرمان المتعدد والمختلف الأوجه يمكن أن ينسجم مع حالات التهرب الضريبي، وبالتالي يمكن أن تصبح آليات ناجعة بامتياز في مكافحة التهرب الضريبي، وهذا بالتأكيد لن يكون أقل من اعتبار المشرع المغربي أن أي تهرب من الضريبة هو بمثابة اختلاس للمال العام وبالتالي يحال على مقتضيات القانون الجنائي، على اعتبار أن العقوبات الجنائية هي من بين ما سيكفل تنفيذ القوانين الضريبية حماية للصالح العام، ناهيك  عن تحسين العلاقة بين إدارة التحصيل من خلال تنمية مواردها البشرية والملزم عبر تفعيل استراتيجية التواصل.
ثانيا: نهج مفهوم جديد للمراقبة وفلسفة العقاب
الفقرة الأولى: عقلنة التدبير الضريبي
المبحث الثاني: الآثار المالية والاجتماعية للتهرب الضريبي
الفصل الأول: التهرب الضريبي والفعالية الاجتماعية
إشكالية التهرب في القانون الضريبي
________________________
[1] – انظر المادة 192 من المدونة العامة للضرائب للسنة المالية 2009.
[2] – أحمد حليبة ،” التهرب الضريبي…”، م.س ، ص: 373
[3] – المرجع نفسه ، ص: 375.
[4] – المادة 5 من الفرع الثاني الخاص بفقدان الأهلية الانتخابية من القانون الانتخابي، رقم 97 – 9 المتعلق بمدونة الانتخابات الصادر بتنفيذه الظهير الشرق رقم 83 – 97 – 1  في 23 من ذي القعدة 1917 ( 2 أبريل 1997).
[5] – فهم من بين الحالات المذكورة شهادة الزور الرشوة السكر العلني المتاجر العلني المتاجر بالمخدرات
[6] – نصت المادة 25 من مدونة الصفقات العمومية على الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال والمناشير التطبيقية الصادر بشأنها المرسوم رقم 482 – 98 – 2 بتاريخ 30 دجنبر 1998 ” تقتصر المشاركة في طلبات العروض في إطار المساطر المقررة بهذا الشأن في هذا المرسوم على الأشخاص الطبعيين أو المعنويين الذين يوجدون في وضعية جبائية قانونية لكونهم أدلوا بتصاريحهم ودفعوا المبالغ المستحقة أو في حالة عدم التشديد لكونهم قدموا ضمانات يرى المكلف بالتحصيل أنها كافية … “.
[7] – صباح نعوش، “الضرائب في الدول العربية” ، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء ، 1987 ، ص:  121.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.