بناء إدارة ضريبية عصرية

تنمية الموارد البشرية واستراتيجية التواصل الفقرة الثانية
تقوم الإدارة الضريبية بوظائف مهمة سواء على مستوى البحث عن المادة الضريبية وتصفية الضريبية[1] وعلى مستوى عمليات التحصيل[2].

لكن تفشي ظاهرة التهرب من الضريبة كشف عن قصورها وعجزها في معالجة الظاهرة، للأسباب التي سبق ذكرها، في مسار هذا البحث رغم ما تواتر من إصلاحات إدارية حسب متوالية لا يربطها نسق داخلي.

ويبقى التطور الحديث الذي طرأ على علم الإدارة فيما يتعلق بكيفية تطوير الجهاز التنظيمي والعلاقات داخل التنظيم بالطريقة التي تمكن من تحقيق أهدافها  المسطرة بكفاية عالية، وكفيل حين اتباع نهجه بمكافحة التهرب الضريبي.

أولا: بناء إدارة ضريبية عصرية
” إن مسلسل التحديث يتطلب تشخيص واقع مؤسساتنا والانكباب عليه لعقلنته فكما أن لكل زمن رجاله ونساءه فإن كذلك لكل زمن مؤسساته، والعقلنة تقتضي إحداث مؤسسات جديدة بدل تلك التي أدت وظائفها وآن وقت تجديدها واستبدالها بأخرى تستجيب لمتطلبات التحولات المستجدة “[3].

وهنا نسجل المقاربة المنهجية الجديدة التي قدمها جلالة الملك لتحليل مفهوم السلطة في معناه السوسيولوجي الشامل من أجل مواجهة المظاهر السلبية للتدبير الإداري التي تعوق التنمية الشاملة، كتفشي ظواهر البيروقراطية وسوء تدبير المرفق العام والانغلاق على الذات واللامبالاة إزاء قضايا المواطنين.

كما أن عملية إصلاح الإدارة الجبائية، يجب أن يبقى ورشا مفتوحا للاستجابة إلى المتطلبات الجديدة للفئة العريضة من الملزمين واستيعاب الوسائل الجديدة التي تمكن من تحسين أداء الإدارة الجبائية.

وهذا الورش يجب أن يشمل كل مجالات تدخل الإدارة الضريبية ومن أهم مجالات هذا الإصلاح:

1–  فصل إدارة المنازعات الجبائية عن مصلحة الوعاء
حتى لا تكون الإدارة المكلفة بالبث والفصل في المنازعات الجبائية طرفا وحكما في نفس الوقت، ذلك أن عملية الفصل من شأنها أن توفر عنصر الحياد وسرعة البث في الملفات الضريبية.

ولا يجب أن يقتصر دور المنازعات في دراسة الملفات الضريبية المعروضة عليها، بل من الضروري أن يتعدى ذلك إلى تقديم استشارات للملزمين في المجال الضريبي، والعمل على جعل أصحاب الشكايات يكونون طرفا في حل شكاياتهم وعلى علم بجميع المراحل التي يمر منها البث في تظلماتهم قبل تبليغ الملزم بالقرار النهائي.

وضرورة تنوير الملزم بحقوقه وواجباته الضريبية، وكيف يتم احتساب المادة الخاضعة للضريبة والاستقطاعات التي تخضع لها ومتى يتم الاستفادة من الإعفاءات التي يتمتع بها الملزم والدور التنموي الذي تقوم به الضريبة في المجتمع[4].

هذه بعض الجوانب التي يجب أن تهتم بها الإدارة الضريبية عموما وإدارة المنازعات خصوصا، وذلك حتى لا تبقى وظيفة إدارة المنازعات الجبائية منحصرة في البث في الملفات المعروضة عليها، بل يجب أن يتم توسيع الدور الوظيفي لهذه الإدارة ليجعل من تظلم الملزم مناسبة لفتح حوار معه والتعرف على ظروفه الاجتماعية وقدرته التكليفية، لكي ينتقل دور الإدارة الجبائية من إدارة ينحصر همها الأول في احتساب الضريبة وضمان تحصيل أكبر إيرادات جبائية إلى إدارة تكون أقرب إلى مجتمع الملزمين ومعرفة نفسياتهم حتى يتحقق الرضا النفسي بالضريبة، وبالتالي لا يجد الملزم دافعا للتفكير في كيفية التملص من الضريبة.

ولا شك أن إدارة الضرائب بهيكلتها الحالية لا يمكنها أن تستوعب الأهداف والطموحات التي سبقت الإشارة إليها وحتى تتحول فعلا الإدارة الضريبية إلى إدارة مواطنة فإن ذلك يستوجب ضرورة الاهتمام بالموارد البشرية والمادية للإدارة الجبائية.

2– تحديث وسائل عمل الإدارة الضريبية
من الأوراش التي يجب أن تهتم بها الإدارة العامة للضرائب لتفعيل دور الإدارة الضريبية في علاقتها بالملزم، ضرورة الاهتمام بالتجهيزات المادية وتطوير نظام المعلوميات، فالاتجاه المتزايد نحو التجارة الإلكترونية[5] يتطلب ضرورة تفعيل الإدارة الإلكترونية[6] تحقيقا للسرعة والدقة في إنجاز المهام وتنفيذ العمليات  وذلك عبر التقليل من تعقد الإجراءات الإدارية داخل الإدارة الضريبية وما يتعلق بها من عمليات[7] .

هذا في ظل التطور الذي تعرفه الإدارة الجبائية بكل من فرنسا وبلجيكا والتي فعلت الإدارة الجبائية الإلكترونية l’administration fiscale électronique” ” وذلك في إطار تحديث نظامها الجبائي، ومن أجل محاربة التهرب الضريبي الإلكتروني عملت على استخدام نظام جديد un nouveau logiciel يسمى ”  Xénon”  يهدف تتبع التجارة الإلكترونية.

إن إعطاء الأهمية للوسائل البشرية مع إغفال الوسائل المادية يعتبر عائقا أمام رفع مستوى فعالية الإدارة الجبائية التي تختلف نشاطاتها وتتنوع أدوارها فمن إحصاء الملزمين والبحث عن المادة الخاضعة للضريبة إلى تحديد الوعاء الضريبي إلى مهمتها الرقابية.

3– تنمية وتأهيل الموارد البشرية للإدارة الجبائية
إن أي إصلاح إداري يؤسس على رؤية استراتيجية لا يمكن قيامه إلا إذا اعتمد في أولى أولوياته تثمين العنصر البشري، فقيادة التحديث وتكرسي العصرنة وتحقيق التنمية الإدارية لن يتم إلا الموارد البشريةبتوافر الكفايات البشرية، على اعتبار أن الإدارة الجبائية إحدى الإدارات العامة في الدولة فهي تحتاج لسير أعمالها إلى عدد كاف من الموظفين والعاملين وهذا العدد يتزايد  تبعا لتزايد أعداد الملزمين وتزايد المهام الملقاة على كاهل هذه الإدارة.

وقد وصل عدد موظفي مديرية الضرائب بالمغرب حوالي 4869 موظف وموظفة سنة 2003 موزعين على المديرية المركزية التي يبلغ عدد العاملين بها حوالي 809 موظف سنة 2002 أي بنسبة 16.45 % وولاية الدار البيضاء الكبرى التي تحتضن حوالي 1176 موظف سنة 2002 أي بنسبة 23.91 % وباقي العاملين موزعين على باقي المدن[8].

جدول رقم 2:

عدد موظفي الإدارة العامة للضرائب بالمغرب

السنوات 1988 1998 2002 2003 2004 2005
عدد الموظفين 339249214856486948214852

Source: Direction Générale des Impôts, les rapports d’activité:                    2002, 2003, 2004, 2005.

ورغم هذا الكم الهائل من الموظفين فإنه يبقى ضعيفا إذا ما قورن مع الموظفين التابعين للإدارة الضريبة في بعض الدول الأخرى، فمثلا فرنسا سنة 1985 بلغ عدد موظفيها 35420 موظفا، الولايات المتحدة الأمريكية بلغ عدد موظفيها 83825، وغيربعيد فمصر مثلا بلغ عدد موظفيها بالإدارة الضريبية حوالي 24849 موظفا 1990/ 1991 [9].

وعموما ومن خلال هذه المقارنة يظهر أن مديرية الضرائب بالمغرب مازالت في حاجة إلى المزيد من الأطر في إدارة المنازعات بهدف الزيادة من المردودية الضريبية.

وهذا الهدف لن يكون سهل المنال، إلا في إطار استراتيجية شاملة محورها العناية بالعنصر البشري الذي هو أساس كل تنمية، وذلك عبر التكوين السليم للموظفين وإعدادهم فنيا ونفسيا[10] في إطار مدارس ومعاهد متخصصة وفي إطار الدورات التدريبية اللازمة لإطلاعهم على كل جديد وكل تطور في الوسائل الكفيلة لتقوية الإدارة وتدعيم فعاليتها.

وعموما ما ومن أجل تدبير للموارد البشرية ينبغي[11]:

أ- وضع قواعد شفافة في مجال الحوافز والتعيين في مناص المسؤولية
وذلك اعتمادا على عناصر الكفاءة والجدية التي تعد أهم عنص محرك للفرد فهي تساعد على تلبية مطالبة من جهة ومن جهة ثانية تهدف تحقيق أغراض التنظيم الإداري[12].

ب- تقوية معدل التأطير
عبر حصر التعيينات في التقنيين الممتازين والأطر وإعطاء الأولوية لميادين التكنولوجية الجديدة للإعلام والاتصال مسايرة للتطورات المتسارعة الحاصلة في العالم بأكمله.

ج- حصر التعيين في مناصب المسؤولية
إذ لابد من ضرورة حصر التعيين في مناصب المسؤولية على الأطر العليا أصحاب الشهادات العليا وذوي التجربة.

د- فعالية الإدارة الضريبية ترتبط بتحفيز موظفيها
عن طريق إشباع حاجياتهم المادية والمعنوية لان تهميش موظفيها يؤدي إلا اللامبالاة ويدفعهم إلى اللجوء إلى طرق غير مشروعة تجسدها ظاهرة الرشوة وهو ما يستوجب تحسين أجور موظفي الإدارة الضريبة لرفع أدائهم والحد من ظاهرة الرشوة[13].

4– التنسيق بين المصالح الضريبية وباقي المصالح الإدارية
يلعب التنسيق دورا هاما في الجهاز الإداري لأية دولة، حيث تتوقف عليه مدى فعالية المرافق العامة، وبالتالي فهو عملية تكثيف للجهود سواء داخل المرفق الواحد أو بين جميع المرافق التي لها رابطة معينة مع المرفق المعني.

كما أن المراقبة الفعالة لظاهرة التهرب تتطلب التعاون بين جميع المصالح الضريبية سواء على المستوى المركزي أو على المستوى الخارجي، فبالرغم من الإصلاحات الضريبية التي عرفها الهيكل التنظيمي لمديرية الضرائب لاسيما خلال سنوات 1978 – 1988 – 1990 – 1991 – 1992 – 1993[14]، والتي حاولت السلطات المختصة من خلالها تحديث وتطوير الهيكل التنظيمي لهذه المؤسسة حتى تستجيب لمتطلبات النظام الجبائي الجديد، فإنها لم تتمكن من تحقيق الاندماج على مستوى بعض الأقسام[15] كما هو الشأن بالنسبة للقسم المكلف بالبث في المنازعات الجبائية، فهذا الأخير لازال يحتفظ بالتنظيم النوعي الذي يميز بين المنازعات الخاصة بكل نوع من الضرائب.

لذلك يتعين على السلطات المختصة أن تعمل على تحقيق اندماج هذه المصالح على مستوى المهام التي تشكل وظائفها الأساسية، وهذا التعدد من شأنه أن يحقق عدة أهداف من بينها توحيد إجراءات البث في المنازعات الجبائية، تسهيل انسياب المعلومات التي يمكن بواسطتها التعرف على الملزمين الذين ينازعون باستمرار في الضرائب المفروضة عليهم، هدفهم في ذلك التماطل في الأداء والتخلص كليا أو جزئيا منها عن طريق التحايل على القانون.

وإذا كان التنسيق يحقق التكامل والانسجام والتعاون، فإنه يصبح من أولويات الإدارة الجبائية التنسيق مع جميع الإدارات التي لها رابطة من بعيد أو من قريب بالفعل الجبائي وذلك بما فيها:

المجالس الجماعية؛ المركز الجهوي للاستثمار؛ المصارف والأبناك؛ إدارة الجمارك على مستوى التوريدات والصادرات؛ مصالح وزارة النقل المكلفة بمنح تراخيص نقل البضائع؛ الموثقين؛ الموانئ والإدارات والمؤسسات العمومية على مستوى صفقاتها العمومية وغيرها من الإدارات.

ويجب أن يكرس هذا التنسيق ليس من حيث التوافق بين هذه الإدارات ولكن من حيث أجرأته قانونيا ليصبح التزاما قانونيا يفرض القيام به، وهكذا يمكن لعملية التنسيق بين الإدارات المتدخلة أن تمكن إدارة الضرائب من ضبط وتدقيق الأوعية الضريبية، فالإدارة الضريبية مطالبة بأن تضع تخطيطا استراتيجيا لمكافحة التهرب الضريبي والمساهمة بالتالي في مسار التنمية.
المطلب الثاني: سبل الحد من ظاهرة التهرب الضريبي
المبحث الثاني: الآثار المالية والاجتماعية للتهرب الضريبي
إشكالية التهرب في القانون الضريبي
___________________________________
[1] – هذه العمليات موكولة للإدارة العامة للضرائب.
[2] -متروكة لشبكة الخزينة العامة للمملكة.
[3] – خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش بتاريخ 12 أكتوبر 1999 بالدار البيضاء.
[4] – ابراهيم  مهم ،” المنازعات الجبائية بالمغرب: محاولة لتحقيق التوازن بين الملزم والإدارة الضريبية”، جامعة الحسن الثاني ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء، 2005 – 2006 ، ص:  166.
[5] – نصير مكاوي ،”قراءة في آليات محاربة الغش الضريبي بالمغرب”، م.س، ص:  101.
[6] -ويمكن تعريف الإدارة الإلكترونية على أنها استغلال الإدارة للتكنولوجية المعلوماتية والاتصالات لتدبير وتحسين وتطوير العمليات الإدارية المختلفة داخل المنظمات
[8] – ابراهيم مهم ،” المنازعات الجبائية بالمغرب…” ، م س ، ص  168.
[9] -نفس المرجع والصفحة
[10] – الإعداد النفسي يتم عبر الاهتمام بالنواحي المادية والمعنوية لموظفي الإدارة يؤدوا واجباتهم الوظيفية على أكمل وجه، هذا إضافة إلى تدريبهم على كيفية التعامل مع الملزمين بأداء الضريبة المعاملة الحسنة من ناحية الاستقبال والإجابة على كل استفساراتهم.
[11] – عبد الرحيم حزيكر ،” إشكالية تحصيل الضرائب بالمغرب…”، م. س ، ص: 239.
[12] – جواد لعسري، علاقة إدارة الضرائب المباشرة بالملزمين وانعكاساتها ملخص أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس كلية الحقوق الرباط، 2000-2001 ص  21.
[13] – نصير مكاوي ،” قراءة في آليات محاربة الغش….”، م س ، ص:  109.
[14] – مرسوم نتائج 22 نونبر 1978 يتعلق بتنظيم اختصاصات وزارة المالية حيث تم بموجب الفصل 8 من هذا القانون إعادة النظر في هيكلة إدارة الضرائب  والتي ترقت إلى مستوى مديرية تضم أربعة أقسام رئيسية تشرف على المصالح الجبائية.
في 20 مايو 1988 تم انشاء المديرية الجهوية للدار البيضاء والتي عملت على خلق سبع مديريات إقليمية تحت إشراف المدير الجهوي للدار البيضاء.
بتاريخ 19 يوليوز 1991، وفي إطار توسيع وتدعيم سياسة اللامركزية يتم إحداث مديريات جهوية أخرى في كل من ولاية الرباط وسلا وولاية مراكش وفي فاتح أبريل من سنة 1992 تم إحداث كل من المديرية الجهوية لولاية فاس،وولاية مكناس ، أقاليم إفران، اخنيفرة، الراشيدية، وجدة، أقاليم الناظور، وفكيك ، طنجة، تطوان ، شفشاون ، والعرائش.
[15] -الصديق جعوان،”إشكالية التهرب الضريبي …”، م. س ، ص: 221.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.