تحسين العلاقة بين الملزمين والإدارة الضريبية

ثانيا: تحسين العلاقة بين الملزمين والإدارة الضريبية
إذا كان الملزم هو الشخص الذي تفرض عليه الضريبة أي الذي يتحمل العبء القانوني بغض النظر عن إمكانية نقلها إلى شخص آخر، فالملزم يبقى الطرف الأساسي في العلاقة الضريبية لأنه من يتحمل أداء الضريبة وبالتالي تمويل النفقات العامة للدولة[1].

ومن هنا كانت ضرورة اعتماد سياسة تواصلية مع الملزمين[2]، فالهدف الأساسي من سياسة التواصل هو إقامة رأسمال من الثقة يرتكز على قيم الإدارة ورأسمال من اللياقة الذي يجعل المواطن ينظر إلى الإدارة بنوع من الاحترام وهذا ما سيحقق للإدارة أمرين: فمن جهة أولى تحسين المر دودية، ومن جهة ثانية تجاوز المشاكل الكثيرة ولعل هذا ما تطمح إليه أي إدارة ضريبية[3].

ومن نماذج الواقع العملي، يجب اعتماد عدة وسائل لتحقيق الأهداف المتوخاة ومن بين هذه الوسائل نذكر:

أ القيام بحملات موجهة:
حيث توفر الإدارة الفرنسية مثلا كل الإمكانيات والوسائل لإنجاح الحملة المتعلقة بضريبة الدخل، وذلك من خلال القيام بحملة داخلية لإعلام أطر الإدارة الضريبية بالمستجدات الضريبية الجديدة التي جاء بها قانون مالية السنة، إلى جانب القيام بحملة خارجية حيث تقوم الإدارة الضريبية بإرسال نموذج من التصريح للملزمين مصحوب بورقة توضح كيفية ملء الإقرار الضريبي، من خلال القيام بزيارة لمختلف المراكز الضريبية وتهيئ أماكن لاستقبال إقرارات الملزمين داخل الأحياء، وإخبار الملزمين الموجودين في المناطق البعيدة بواسطة حافلات تابعة للإدارة الضريبية تقوم بزيارة القباضات والجماعات القروية الصغيرة للقيام بحملة إشهارية[4].

ب- اعتماد الوسائل السمعية والبصرية
كما يتم اعتماد الوسائل السمعية والبصرية لإعلام الملزمين وغيرها من وسائل الاتصال الجماهيري، وفي هذا الإطار نشير إلى أنه قد يتم الإخبار حتى بواسطة الهاتف إذ يتم تخصيص أرقام هاتفية خاصة تابعة لإدارة الضرائب لمن يريد احتساب حصيلته الضريبية، وكذلك الإجابة على أسئلة الملزمين والحصول على معلومات عامة مرتبطة بكيفية تصفية الضريبة وكيفية أداء الدين الضريبي.

بالإضافة إلى الوسائل المشار إليها ومن أجل جعل المعلومات في متناول الملزم بالضريبة، فإن الإدارة الضريبية في كل سنة تقوم بفتح مراكز لاستقبال الملزمين لإعلامهم بالمستجدات الضريبية المتعلقة بضريبة الدخل على مستوى الإدارات التابعة لمديرية الضرائب وكذلك الجماعات ومقرات السلطة المحلية ومراكز المستشفيات الجهوية التي يتم زيارتها من طرف أعوان الإدارة الضريبية لمساعدة الملزمين على ملأ إقراراتهم الضريبية[5].

أما في المغرب فنماذج تواصل المديرية العامة للضرائب، تتضح من خلال تصفح موقعها الإلكتروني الذي نجد من بين الأبواب التي يتضمنها هذا الموقع باب يحمل عنوان ” تقارير الأنشطة “.

ومن بين الفصول التي يحتويها هذا الباب هناك فصل يحمل عنوان تواصل communication،  وتتكون صفحة التواصل لمديرية الضرائب من ثمانية محاور وهي كالتالي:

جدول رقم3: وسائل تواصل الإدارة الضريبية مع الملزمين في المغرب

المحور العنوان
1 لقاءات
2 مصالح
3 علاقات عامة
4 العلاقة مع الصحافة
5 التلفزة والمذياع
6 الإنترنيت
7 intranet
8 وثائق

Source: www.finances.gov.ma

من خلال هذا الجدول التوضيحي يتضح أن الوسائل التي تعتمدها المديرية العامة للضرائب مع الملزمين تتمثل في:

1- لقاءات دورية يعقدها المدير العام مع الملزمين الكبار[6] ؛

2- العلاقة مع الصحافة: وتنحصر العلاقة في نشر إعلانات تذكيرية بحلول أجل بعض الضرائب ؛

3- الحضور لمختلف الفعاليات والمعارض التي تعرفها الساحة الوطنية مثل المشاركة في فعاليات المعرض الخامس المتعلق بالمواطن الصغير ” le petit citoyen” الذي نظم في المعرض الدولي بالدار البيضاء من 7 فبراير إلى 4 مارس 2003[7].

4- أما المحور المتعلق بالانترنيت فتتكون من ورقة تعريفية بموقع مديرية الضرائب وهو يضم عدة خانات تهم الملزم كما يوضح الجدول التالي:

جدول رقم 4: مكونات محور الانترنيت الخاص بالإدارة العامة للضرائب

الخانة المضمون
Textes fiscauxقوانين ضريبية
Note circulaireمناشير دورية
Conventions  fiscalesالاتفاقيات الضريبية المتعلقة بمنع الازدواجية الضريبية
Question du principeأسئلة هذه الخانة تضم عدة أسئلة مختارة من أسئلة الملزمين وأجوبة عليها من طرف المديرية العامة للضرائب
Adresse utilesعناوين ضرورية وهو عبارة عن دليل جغرافي لمختلف المديريات الجهوية
Annaireالهيكل الإداري للمديرية العامة للضرائب

Source: finances.gov.ma

والخلاصة الأساسية التي تخرج بها هو أن إدارة الضرائب في فرنسا تعتمد جميع وسائل الاتصال لإنجاح حملتها الضريبية، الشيء الذي يؤدي إلى تحقيق سياسة التواصل لمعظم أهدافها.

أما في المغرب فتفتقر المديرية العامة للضرائب إلى سياسة للتواصل مع الملزمين واضحة المعالم، ولها أهداف محددة فحتى الوسائل المعتمدة للتواصل مع الملزمين وسائل محدودة وغير فعالة، فمثلا اللقاءات التي حضرها المدير العام للضرائب تمت بمبادرة من هيئات خاصة كغرفة الصناعة والتجارة المغربية والإسبانية والفرنسية والجمعية المغربية للمقاولات، وحتى المواضيع التي تناولها المدير العام للضرائب تهم شرائح مثقفة من كبار الملزمين وكنموذج للمواضيع التي تدخل فيها المدير العام للضرائب نذكر مثلا[8]:
– ماهي الأهداف المستقبلية للنظام الضريبي المغربي ؟؛
– شرعية الضريبة ؛
– القطاع العقاري بين تدخل وحياد الإدارة الضريبية ؛
– تحديث إدارة الضرائب.

مواضيع لا تلامس مشاكل عموم الملزمين وخاصة في أهميته الضريبية في تمويل نفقات الدولة والمساهمة في تحقيق التنمية، وبالتالي توعيتهم بأهميتها وإقناعهم بعدم التملص من أدائها لأن في ذلك إضعاف لمداخيل الدولة وتقليص للمشاريع التنموية.

فالإدارة الضريبية لا تتوفر على أية بنية للاستقبال أو الإعلام، مما يجعلها غير منشغلة باحتساب حاجيات المتعاملين معها[9]، وهي بذلك تخل بجزء كبير من وظيفتها الإدماجية وتختلف عن النموذج الفرنسي الذي اختارت التماثل معه فيما يخص بنية الجباية وطرق تحديدها وتحصيلها، إلا أنها حادث عن فلسفة في التعامل مع زبنائها.

إن ردع المتهرب لا يمكن تحقيقه باختزاله فقط في المقاربة الزجرية ولكن بخلق الدوافع السلوكية أيضا لتوفير المناعة الذاتية لدى المكلف، وذلك بإحداث جسر مستمر من الاتصالات، وبالتالي فقد أصبح ضروريا إقامة علاقة واضحة بين الإدارات الجبائية والملزمين.

فالإدارة الضريبية في إطار محاربتها للغش الضريبي لا يظهر لها إلا تحصيل المبالغ المالية وهو ما يبرر لجوء الإدارة الضريبية إلى كل الوسائل – الأسلحة[10] – أي سلطاتها الضريبية دونما مراعاة لحقوق الملزم، وهنا تصدق قولة الغاية تبرر كل الوسائل.

إلى جانب توفير بيئة متميزة لحركة علاقات إنسانية تخدم المصلحة العامة بين جميع الإدارات الضريبية والمكلفين بالضريبة، ذلك أنه من الوجاهة والمنطق أن لا يندمج الفرد في عمل لا يفهمه ولا يفقه أهدافه. ولهذا أكد ” دافيز” ” Davis” و ” سكوت ” ” Scott”  أنه بدون الاتصال سيتعذر وجود التنظيم وتقدم الإنتاج الجماعي[11].
إن معالجة التهرب الضريبي حسب ما تبين من خلال هذه الفقرة تحتاج إلى خلق مناخ من التواصل مع الملزمين يفتح الحوار البناء وتحفيز الملزم في أدائه الضريبي وضرورة اعتماد التربية الجبائية لخلق ممانعة اجتماعية ضد التهرب[12].

ولاكتساب الملزم واستقطابه حتى يكون وفيا في أدائه الضريبي اهتمت فرنسا بوضع إعلان حقوق المكلف الشهير ” la charte de contribuable ” حيث اهتمت فيها أساسا بنوع العلاقة التي من الضروري أن تسود بين الإدارات الضريبية والملزمين، فأكدت أنه من حق الملزم أن يطالب باحترام حريته الشخصية وباحترام حقه في الدفاع عن نفسه[13].
فلا بد من توفير بيئة متميزة لحركة علاقات إنسانية، تشق غاياتها النهائية مع الخط الذي ينتهي إلى توطيد الثقة الصادقة التي تخدم المصلحة العامة، وذلك بين جميع الإدارات الضريبية والملزمين بالضريبة، علاقات قادرة على دمجها في هيكل تعاون بناء يجعل الضريبة وسيلة استثمارية على مستوى ما هو اقتصادي واجتماعي.

هذا في ظل معادلة متكافئة نتيجتها احترام الملزم لالتزاماته الضريبية وأداء ما هو مستحق للإدارة الشيء الذي يجب أن يشكل قاعدة أخلاقية[14] تفرض ضرورة احترامها من جهة، ومن جهة أخرى التزام الإدارة الضريبية بتحصيل الموارد الضريبية في إطار مناخ يسمح باحترام حقوق الملزم .

هذا إلى جانب نهج تدبير توقعي والذي تتجلى أهميته في حاجة الإدارة العمومية إليه بسبب ما تواجهه من متغيرات متسارعة على المستوى الداخلي وفي  محيطها الخارجي عبر وضع تسيير السلطة على المدى البعيد وذلك من خلال تشخيص الحالة الراهنة، وتوقع الموارد والحاجيات المستقبلية[15].

خاتمة الفصل الأول:
بعد سبر مكامن أشكال التهرب الضريبي، وكشف مدى سلبياته الخطيرة إلى تعميق البحث حول أسباب الظاهرة وسر ديمومتها وتوسعها، وبعد البحث والتحليل فالأسباب عديدة تختلف باختلاف صور التهرب، حيث منها ما هو متعلق بمحدودية إدارة الضرائب

إن اختزال تدبير الشأن الضريبي في المقاربة الزجرية بالتأكيد لن تساهم إلا في تفاقم الظاهرة وتشنج العلاقة بين طرفي العلاقة الضريبية الإدارة الضريبية/ الملزم.

كما أن إصلاح الإدارة الضريبية ورفع مستواها الرقابي لوحده ليس قادرا  على محاصرة ومحاربة ظاهرة التهرب الضريبي. لأنها ظاهرة شديدة التعقيد ومتعددة الأبعاد وهذا ما يفترض تعدد المتدخلين لمحاصرتها.

ولمعالجة هذه الظاهرة يصبح لزاما الإبداع فيما جاء به علم الإدارة توظيفا لمبادئه ونظرياته، وذلك عقلنة لتدبير الشأن الضريبي اعتمادا على مقاربة عصرية تتبنى فكرا مقاولاتيا في الفعل الضريبي.

وذلك من خلال اعتبار الملزم زبونا مربحا لخزنة الدولة يجب الحفاظ عليه مما يتطلب التواصل معه وتأطيره وهذا يستوجب وجود إستراتيجية واضحة المعالم تعمل على إشراك مختلف الأطراف، وهذا يشترط تقوية المواطنة والتواصل الجبائي من خلال اعتماد التربية الجبائية لخلق مسابقة اجتماعية للتهرب.

فالفعالية الاجتماعية تتوقف على مواجهة هذه الظاهرة وإقرار العدالة الضريبية / الاجتماعية وخلق مسارات فعلية ما بين المكلفين أمام الضريبة.

وبواسطة الضريبة، ولاحترام أداء الضريبة لابد من تنفيذ الجزاءات الضريبية بكل جدية وفي منتهى العقلانية، وفي هذا الاتجاه قال الفيلسوف الفرنسي ” Pascal” ” أن العدالة عاجزة إذا لم تدعمها القوة، ولذا يجب العمل على أن يكون الحق قويا وعلى أن تكون القوة عادلة ”
الفقرة الثانية: تنمية الموارد البشرية وإستراتيجية التواصل
المبحث الثاني: الآثار المالية والاجتماعية للتهرب الضريبي
الفصل الأول: التهرب الضريبي والفعالية الاجتماعية
إشكالية التهرب في القانون الضريبي
________________________
[1] – نجيب البقالي، “منازعات الوعاء أمام القضاء الإداري”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة.، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار ابيضاء، 2007- 2008، ص:  81.
[2] – ابراهيم مهم ، “المنازعات الجبائية ، بالمغرب: محاولة التحقيق التوازن بين الملزم والإدارة الضريبية” ، مرجع سابق، ص: 179
[3] – El hassane KATIR, «  Administration fiscale et communication: l’exemple de la France », revue du droit marocaine n° 6 – 07, 2004, p:24
[4] – المرجع نفسه، ص  180
[5] -El HASSANE KATIR, «  Administration et communication: l’exemple de la France », op. cit, p:
[6] – ابراهيم مهم، “المنازعات الجبائية بالمغرب…” ، م س ، ص: 184.
[7] – ابراهمي مهم، المنازعات الجبائية بالمغرب… ، م س ، ص: 184.
[8] – ابراهمي مهم،” المنازعات الجبائية بالمغرب…” ، م س ، ص: 185.
[9] – نجاة العماري،” المنازعات الضريبية” ، ص: 354.
[10]- P. Serlooten, “Morale et fiscalité des affaires”, actes du colloque organisé à l’université des sciences sociales de Toulouse, le 12 Mai 1995, centre de droit des affaires,centre de recherche sur les entreprises en difficulté, Montchrestien, Paris, 1996, p:151.
[11] – أحمد حليبة ،”التهرب الضريبي وانعكاساته على التنمية بالمغرب”، مرجع سابق، ص:  423.
[12] — المرجع نفسه، ص:  435.
[13] — أحمد حليبة ،” التهرب الضريبي  وانعكاساته على التنمية بالمغرب”، مرجع سابق، ص:  420
[14]- P.Serlooten, “morale et droit des affaires”, op.cit, p: 146.
[15] – السعدية حساك،” تدبير الموارد البشرية ودوره في التنمية: نموذج الإدارة المغربية”،م.س، ص: 98- 99.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.