توزيع الدخل وتأثره بالتهرب الضريبي

ثانيا: على مستوى توزيع الدخل
انطوت الاتجاهات الاجتماعية والاشتراكية في الدول الرأسمالية على دعوة الدولة للعمل على إعادة توزيع الدخل القومي، بما يكفل تحسين أوضاع أصحاب فئات الدخل المنخفض[1] وتعد الضريبة من أبرز الأدوات المالية التي تستعين بها الدولة في هذا المجال.

وبتقدم نظرية المنفعة الحدية، اتضح أن دراسة حجم الدخل القومي لاتكفي وحدها لتحديد مستوى رفاهية المجتمع، بل يتطلب الأمر أن يأخذ في الحسبان نمط توزيع الدخل. وفي هذا الإطار أوضح ” كينز” أن الادخار لا يؤثر في حجم الاستثمار بل يتأثر به [2] ولما كان الحد من التفاوت في توزيع الدخل القومي يؤدي بطبيعته إلى الزيادة الانفاق وبالتالي زيادة الدخل القومي أصبحت معه زيادة الانفاق مطلبا اقتصاديا هاما للدولة الحديثة ، ولذلك ازدادت أهمية دراسة أثر الضريبة على توزيع الدخل [3] باعتبارها أداة رئيسية  في هذا المجال خاصة في ظل التهرب الضريبي.

وبإلقاء نظرة على النظام الضريبي المغربي، نلاحظ هيمنة الضرائب غير المباشرة بالنسبة لإجمالي الحصيلة الضريبية كما بينه الجدول التالي:

جدول رقم 5: نسب الضرائب غير المباشرة بالنسبة لإجمالي الحصيلة الضريبية

السنوات

أنواع الضرائب

1997 1998 1999 2000 2001 2002
الضرائب المباشرة 29.6%31 % 33.6 % 33.4 % 33.2 % 34.7 %
الضرائب غير المباشرة %48.0 46.5 % 45.4 % 45.5 % 46.6 % 45.6 %
الرسوم الجمركية %17.2 17.4 % 15.9 % 15.9 % 14.7 % 14 %
التسجيل والتنبر 5.2% 5 % 5 % 5.2 % 5.4 % 5.7 %
المجموع 100% 100 % 100 % 100 % 100 % 100 %

المصدر: احمد حليبة، التهرب الضريبي…، م.س، ص: 131.

انطلاقا من هذا الجدول نستنتج المنحنى التالي:
رسم بياني رقم 14: نسبة الضرائب غير المباشرة بالمغرب بمليار درهم ما بين سنتي 1997 -2002
نسبة الضرائب غير المباشرة بالمغرب بمليار درهم  ما بين سنتي 1997 - 2002
المصدر: تركيب اعتمادا على معطيات: احمد حليبة، التهرب الضريبي….، م.س، ص: 131.

وهكذا نلاحظ الأهمية التي تحتلها الضرائب غير المباشرة في تمويل خزينة الدولة، رغم أنها عرفت انخفاضا لكنه يبقى نسبيا خاصة سنة 2000 إذ بلغت خلالها نسبة الضرائب غير المباشرة 45.5 % لتنتقل إلى 45.6 % سنة2002.

وتتجلى أهميتها أيضا من خلال النسب التي حققتها منذ سنة 2003[4] إلى سنة 2006[5] خاصة النسب التي عرفتها مداخيل الضريبة على القيمة المضافة على المستوى الداخلي مقارنة مع رسوم التسجيل والتنبر خلال نفس السنوات والرسم التالي يوضح هاته الأهمية:

رسم بياني رقم 15:تطور مداخيل الضريبة على القيمة المضافة ورسوم التسجيل والتنبر المداخيل ما بين 2003 و 2006 بمليون درهم.
تطور مداخيل الضريبة على القيمة المضافة ورسوم التسجيل والتنبر المداخيل ما بين 2003 و 2006

Source:Direction Générale des Impôts, Rapport d’activité 2004,p: 13 – Direction Générale des Impôts, Rapport d’activité 2006,p:16

من كل ما تقدم نستخلص أن الضرائب غير المباشرة تحتل المراتب الأولى من حيث الأهمية، وهذا ما قد يترتب عليه انخفاض مستوى الدخول لمعظم المواطنين، باعتبارها ضرائب تنصيب المستهلك الذي يكون على عتبة الفقر او موظفا بسيطا ذا دخل محدود.

وهكذا فإذا كان ارتفاع سعر الضرائب غير المباشرة يحقق إيرادات مهمة ويعوض خزينة الدولة عما يفوت عنها بسبب التهرب الضريبي ، يتنافى بالمقابل مع إعادة التوزيع العادل للدخل، ذلك أن الضرائب غير المباشرة تقع على الاستهلاك فتؤدي إلى ارتفاع المنتجات ليزيد العبء على الطبقات الفقيرة ( ذات الميل المرتفع للاستهلاك) أكثر منها على الطبقات الغنية ( ذات الميل المنخفض للاستهلاك ).

هذا في ظل تعرض الضرائب غير المباشرة لانتقادات[6] متعددة من بينها إنها شديدة الوطأة على الفقراء مقارنة مع الأغنياء فهذه الضرائب لا تراعي ظروف الملزم الشخصية، إذ يخصص الفقراء نسبة مهمة من دخلهم للاستهلاك في تنخفض هذه النسبة عند الأغنياء.

إن الضريبة على الاستهلاك وإن كانت من الممكن أن تخفض من وثيرة الاستهلاك فهي لا تكبحه حيث أن المواطن يستهلك مضطرا وهذا ما يقود إلى القول أن الدولة الديمقراطية هي التي تعيد توزيع أقصى ما تستغله على مواطنيها مما يساهم في نماء الانتماء للدولة ومنه محاربة التهرب وضمان مداخيل هامة لخزينة الدولة وبالتالي ضمان توزيع عادل للدخل.

وكما سبق وأشرنا – في إطار الفصل الأول من هذه الرسالة – أنه من بين أشكال التهرب الضريبي ظاهرة التهريب والتي تتم من خلال إدخال كمية معينة من السلع جون التصريح بها، مما يعني التهرب من ضريبتين: الضريبة الجمركية والضريبة على القيمة المضافة في حالة ما إذا تم بيع السلع المهربة.

وهذا ما سيؤدي إلى تخفيض حصيلة الموارد المالية للدولة ، وبالتالي إتباع سياسة مالية من شأنها تقليص حجم النفقات العامة وهو ما يحد من قدرة الدولة على الحفاظ على الأمن وضمان إعادة توزيع الدخل الوطني مما ينعكس سلبا على الاستثمار.
الفقرة الثانية: آثار التهرب على الإنتاجية وتوزيع الدخل
المطلب الأول: التهرب الضريبي و آثاره على النمو الاقتصادي
المبحث الأول: آثار التهرب على السياسة الاقتصادية
الفصل الثاني: التهرب الضريبي والفعالية الاقتصادية
إشكالية التهرب في القانون الضريبي
________________________________________________________
[1] – أديب عبدالسلام، السياسة الضريبية واستراتيجية التنمية، م س ، ص 20.
[2] – أديب عبدالسلام، السياسة الضريبية واستراتيجية التنمية، م س ، ص 20.
[3] – ترتكز إعادة توزيع الدخل أساسا على ملكية وسائل الانتاج والنفوذ السياسي وغير ذلك من الاعتبارات ، وتعتبر الضريبة وسيلة في يد الدولة للحصول على الأموال اللازمة لنفقاتها العامة، ولهذا تؤثر الضريبة على توزيع الدخل القومي بين أفراد الجماعة، ومن هنا أصبحت  سلاحا يتم من خلاله  توسيع الفجوة بين دخول هذه الطبقات.
[4] –  Direction générale des impôts, rapport d’activité 2004 p: 13.
[5] – Direction générale des impôts rapport d’activité 2006, p: 16
[6] – أديب عبد السلام،” السياسة الضريبية….”،م. س، ص: 133.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.