تقنيات تهرب المقاولة من دفع الضرائب على المستوى الوطني

المطلب الثاني: التهرب الضريبي وآثاره على الاستثمار
يعتبر الاستثمار[1] من العوامل المحركة للاقتصاد، وذلك نظرا لإمكانياته في تكوين الرأسمال والتشغيل والإنتاج. فهو إذن العنصر القادر على الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية في الدول النامية باعتبار تأثيراته على النشاطات الاقتصادية وبارتباطه بالإطار التأسيسي الاقتصادي والاجتماعي للدولة، إذ أنه قادر على خلق مسلسل تغيير هيكلي لتنمية مستمرة[2].

إن هدف أية سياسة مالية واقتصادية هو زيادة الاستثمارات وتوفير فرص الشغل، وبهذا بات لزاما نهج إستراتيجية ضريبية لجلب الأموال وتشجيع الاستثمارات الأجنبية والوطنية. وتبقى أهم مرتكزات هذه الإستراتيجية إقرار السعر العادل للضريبة، وهذا يحيلنا على أنه لا يمكن النظر إلى الضريبة باستقلال عن  آثارها الاقتصادية، بل تعتبر هي نفسها ذات دور اقتصادي ( الفقرة الثانية ).

غير أن توجيه الضريبة بحيث تكون أداة لخدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأن يكون النظام الضريبي متناغما مع أهداف هذه السياسة، والمستجدات الاقتصادية قد يقوضه التهرب الضريبي حيث يربك هذه السياسة، وذلك بالضغط على الدولة في اتجاه تقليص إعفاءاتها الضريبية أمام ندرة الإيرادات العمومية، مما قد ينعكس سلبا على البنيات التنافسية ( الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى: التهرب والبنيات التنافسية
ينتج عن التهرب الضريبي آثارا في غاية الخطورة، بالنسبة للفاعلين الاقتصاديين نظرا لما لهذه الظاهرة من آثار على نزاهة المنافسة[3] هذه الأخيرة تعتبر أهم مبدأ تقوم عليه التجارة في الاقتصاديات الليبرالية.

وإذا كان التهرب الضريبي يؤدي حثما إلى اختلال مبدأ المنافسة الحرة التي تعتبر من بين القواعد الأساسية لتطبيق سياسة الليبرالية الاقتصادية، واقتصاد السوق، فإن عملية التهرب لا تعتمد أساسا على حجم المشروع  بقدر ما تعتمد على فرص التهرب المتاحة لمشروع ما دون آخر[4] حيث نجاح رجال الأعمال في الميدان الصناعي أو التجاري لا يعتمد الكفاءة التقنية أو التجارية أو المالية، إنما نتيجة امتهان التهرب الضريبي[5].

أولا: تقنيات تهرب المقاولة
تعيش المقاولة المغربية وتحيى في ظروف تتسم بالعديد من الإكراهات، فإلى جانب البناء الجبائي المعقد: الضريبة المهنية، الضريبة الحضرية وضريبة النظافة، الضريبية على الشركات، الضريبة على القيمة المضافة، حقوق الجمرك وحقوق التسجيل والتنبر، تجد المقاولة نفسها في مواجهة إدارة جبائية لا تحيد عن القاعدة العامة للإدارات العمومية بالمغرب.

إذ تتسم بالبطء والروتينية، وقلة الكفاءات البشرية والمادية، إضافة إلى الزبونية المفرطة، هذا وتتمتع هذه الإدارة بالعديد من السلط المختلفة كسلطة المراقبة والسلطة الزجرية. دونما أخذ بعين الاعتبار لخصوصية المقاولة، وللعمل في إطار منظومة السوق التي أصبحت تفرض الالتزام بالعديد من الضوابط أهمها السرعة والشفافية.

مما يولد رغبة في التحرر، قد تترجم إلى تهرب ضريبي، إذ تتقوى فرص التهرب الضريبي كلما ترك للمقاولة أمر التصريح بأرباحها والعمليات التي تنجزها فقد أثبت الواقع عدم وجود حساب ختامي سليم  من الأخطاء سواء أكانت مقصودة أو غير مقصودة.

فالمحاسبة الخاصة بالمقاولة توفر لها العديد من الفرص لممارسة التهرب الضريبي خصوصا وأن الإدارة الجبائية لا تتوفر على الإمكانيات البشرية والتقنية اللازمة لإجراء المراقبة وذلك بالنظر لحجم المقاولات من جهة وتعدد وسائل التهرب المتاحة لها ثانيا.

وتتعدد تقنيات تهرب المقاولة إن على المستوى الوطني أو الدولي:

1- تقنيات تهرب المقاولة على المستوى الوطني:
في هذا الإطار نجد الغش عن طريق الوسائل السرية، إلى جانب الغش في إطار المداخيل.

أ- الغش عن طريق الوسائل السرية
يتم هذا النوع من التهرب في إطار التحملات، فمن المعلوم أن الإدارة الجبائية تقوم بخصم التحملات التي تدلي بها المقاولة في محاسبتها وفي هذا الإطار يتم اللجوء إلى[6]:

– التهرب عن طريق مشتريات وهمية بواسطة فاتورات خاطئة: ويتم الحصول على هذه الأخيرة عن طريق مشتريات وهمية ، أو خدمات غير موجودة وتكون هذه الفواتير صحيحة من الناحية القانونية مما يصعب معه التعرف عليها ؛

– التهرب عن طريق مستخدمين وهميين ووظائف وهمية: وذلك عن طريق تقديم لائحة من المستخدمين غير موجودين، وتسجيل مرتبات ضخمة لمسيري الشركة، مما يشكل فائض قيمة جبائي يمكن استرجاعه، وعادة ما تلجأ المقاولة في هذا الصدد إلى التشغيل الوهمي لأفراد العائلة مما يجنبها المطالبة القانونية، ويؤكد بالتالي الطابع العائلي للمقاولة

التهرب عن طريق النفقات العامة: وذلك عندما تسجل المقاولة في حساباتها نفقات تتمتع بها، كنفقات سيارات المسيرين ومساكنهم وتنقلاتهم وهذا إن وجدت فعلا هذه النفقات ووجد أصلا هؤلاء الأشخاص.

أما في إطار المداخيل، فيتم التهرب عن طريق البيع بدون فواتير، وأمام هذه التقنية المتعددة الأشكال وقف المشرع المغربي عاجزا، إذ قد يتفق المقاول والمشتري على البيع دون فاتورة، وقد يتفقان على مستوى الأسعار، هذا في الوقت الذي لجأت فيه دول متقدمة كفرنسا وسويسرا إلى تقنية ” Coefficients expérimentaux “[7].

وتتلخص هذه التقنية في توفر المراقبين على مؤلفات تحدد مردودية كل نوع من أنواع التجارة[8]، فعن طريق إجراء مقارنة وبالأخذ بعين الاعتبار صنف التجارة الخزينة يمكنها الوصول إلى تبين هل حصيلة المقاولات المختبرة تطابق المعامل الإجمالي أم لا. لكن قد يبقى هذا الإجراء وهمي لأن مسؤولي المقاولات قد يتفقون فيما بينهم ويحددون معاملا إجماليا بعيدا عن الحقيقة وبالتالي فإن الخزينة عندما سيتضح لها أنه هو نفسه بالنسبة لكل المكلفين ستتبناه.

ب- الغش عن طريق استغلال ثغرات القانون
يتميز القانون الجبائي، كغيره من القوانين، بمجموعة من الثغرات الناتجة أساسا عن الغموض، وعدم التحديد الذي يتصف به، ويتيح ذلك الفرصة للتهرب وذلك عن طريق:

– التهرب عن طريق المحاسبة: خاصة وأن الإدارة الجبائية لا تتوفر على إمكانية إعطاء الدليل على نقص الأرقام المصرح بها، ويعود ذلك لغموض المادة 213 من المدونة العامة للضرائب والتي جاء فيها:” إذا شابت حسابات سنة محاسبية أو فترة لفرض الضريبة إخلالات جسيمة من شأنها أن تشكك في قيمة الإثبات التي تكتسيها المحاسبة، جاز للادارة أن تحدد أساس فرض الضريبة باعتبار العناصر المتوفرة لديها “.

فرغم سرد هذه المادة لبعض الإخلالات كالإخفاء والأخطاء والإغفالات إلا أنه  ليس كافيا كوسيلة في يد المراقب يمكنه الاعتماد عليها فهي صيغ تتميز بالغموض والعمومية الذين من شأنهما أن يؤديان إلى نزاعات بين الملزم والإدارة الجبائية. كما أن المتهرب قد يستفيد من هذه الوضعية ويتهم الإدارة بالتجاوز والتعسف عن طريق القيام بتفسيرات مختلفة، والواقع يؤكد أن الإدارة ليست لها الإمكانيات لإعطاء الدليل على نقص الأرقام التي وقع الإقرار بها.

وهكذا فالمادة 213 وفي إطار تعدادها للإخلالات الجسيمة نجد: ” الأخطاء أو الاغفالات أو البيانات غير الصحيحة الجسيمة والمتكررة الملاحظة فيما تتضمنه المحاسبة من عمليات”، هاته الفقرة التي تبقى غامضة طالما أن المشرع لم يحدد لائحة محددة لهذه الأخطاء، الاغفالات، البيانات غير الصحيحة الجسيمة، هذه اللائحة التي قد تسمح للإدارة الضريبية بتقدير درجة خطورة هذه الأخطاء والاغفالات.

– التهرب عن طريق الأصول: إذ هناك شبه استحالة بالنسبة للإدارة لتحديد بدقة ما إذا كان مخزون السلع الذي تمت محاسبته في الأصول هو نفس المبلغ المصرح به من طرف الشركة[9] لأن من التطبيقات التي جرت الشركات على ممارستها أن تصرح للخزينة بمخزون للسلع جد منخفض عن الحقيقة.

خاصة وأن الإدارة الجبائية لا تتوفر على الوسائل البشرية والمادية لمراقبة المقاولات وفي ظل هذه الوضعية تشير الإحصائيات المتعلقة بهذا الموضوع إلى أن عدد المحققين في حسابات الشركات، التابعين لإدارة الضرائب لا يتعدى 400 مراقب [10] في حين أن عدد الشركات الخاضعة للضريبة على الشركات التي يتعين التحقق من دفاتر حساباتها المقدمة لإدارات الضرائب يفوق 120 ألف شركة على أقل تقدير، ما يعني 300 شركة بالنسبة لكل مراقب علما أن هذا الأخير لا يمكن ان يدرس ويدقق سوى حسابات ثماني شركات في السنة.

وبهذا فالمراقب الجبائي يتطلب منه مراقبة دفاتر محاسبات 300 شركة ما يفوق 37 سنة، أي ان الشركة التي تمارس الغش وتتملص من الضريبة خلال سنة 2009، يمكن أن لا يكتشف أمرها سوى في أفق سنة 2046.

علما أن القانون ينص على ضرورة الاحتفاظ بالوثائق المحاسباتية لمدة لا تتعدى 10 سنوات وبعد ذلك يمكن للمقاولة إتلافها، ما يعني أن الملزم الذي يتهرب من أداء الضريبة إذا لم يضبط خلال هذه المدة يصبح في منأى عن أية مراقبة أو متابعة، وهكذا فإن قلة الموارد البشرية والإمكانيات المادية تتيح فرصا كبيرة للشركات لممارسة مثل هذه السلوكيات.

– التهرب عن طريق الخصوم: تدفع الشركات في هذه الحالة بعدم وجود قواعد دقيقة للتقدير لدى الإدارة، فمثلا قد تخفض المقاولة قيمة سلعتها بدون سبب وبسعر يقل عن التكلفة حيث يتم وصف السلع بالمعيبة أو المتعذر بيعها، وقد لا ينسجم هذا مع الواقع.

هناك أيضا على مستوى الديون المشكوك فيها التي يمكن خصمها قانونا، حيث تخلق الشركات احتياطيا خاصا بها وتعتبرها مفقودة بينما بإمكانها بوسائلها الخاصة استرجاعها كليا أو جزئيا خاصة وان موظفي الإدارة بعددهم الضعيف لا يقومون سوى بمراقبات سطحية ظاهرية. وعندما تحاول الخزينة القيام بمراقبة معمقة فإنها تصطدم بعقبات لا يمكن تدليلها وخاصة بالنسبة للشركات الكبرى[11].

– التهرب عن طريق إعادة التقويم Redressement: ويتم ذلك عن طريق رفع قيمة الاندثار القابل للخصم من الربح الخاضع للضريبة، وهذا يكلف الخزينة مبالغ هامة،  فأغلب الشركات تفضل كراء الأدوات التي تحتاجها علما أن مبالغ الكراء  قابلة للخصم، على اعتبار أنها مبالغ كراء وتحملات للاستغلال[12].

ونورد في هذا الإطار تقنية ” Leasing”[13] إذ أن شركات “Leasing” وهي شركات تقوم بامتلاك وشراء سلع تجهيزية وأدوات وسلع منقولة للاستعمال المهني من أجل القيام بكرائها لشركات أخرى أو أشخاص آخرين، إذ تمنح امتيازات جبائية لهذه التقنية تجعل منها وسيلة للتهرب من الضريبة على الشركات.

المبحث الأول: آثار التهرب على السياسة الاقتصادية
الفصل الثاني: التهرب الضريبي والفعالية الاقتصادية
إشكالية التهرب في القانون الضريبي
________________________________________________
[1] – يرى فرانسوا بيرو françois perrous أن:” الاستثمار هو تكوين رأسمال حقيقي وإمكانية التحديد والتطوير وتخفيض الجهد الإنساني”، اما بروسوليت Brossolette فيذهب إلى أنه :” خلق وسائل إنتاج دائمة ومستمرة أو أموال الاستهلاك الدائمة.
[2] – عبد اللطيف ناصري:” مقاربة نظرية لمفهوم الاستثمار “، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، عدد مزدوج 51 – 52 يوليوز – أكتوبر 2003 – ص  83.
[3] – قانون رقم 6 – 99 المتعلقبحرية الأسعار والمنافسة ظهير شريف رقم 225 – 00 – 1. صادرفي  2 ربيع الأول 1421 ( 5 يوليوز 2000) بتنفيذ القانون رقم 99- 06 المتعلق بحرية الاسعار المنافسة جريدة رسمية عدد 4810 بتاريخ 6 يوليوز 2000.
[4] – صباح نعوش ، الضرائب في الدول العربية ، م س ، ص  116.
[5] – أحمد حليبة ، التهرب الضريبي ، وانعكاساته… ، م س ، ص  134.
[6] – كمال مرصالي ، جباية المقاولة في المغرب ، اطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ، جامعة الحسن الثاني ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية  والاجتماعية الدار البيضاء ، 2000 – 2001 ص  107.
[7] – تقنية المعاملات التجريبية او نسبة المردودية الاجمالية ويقصد بها أن قدرا من التحملات في قطاع معين يطابق مبلغا معينا من المبيعات حيث تضع الإدارة الجبائية لدى موظفيها ومصالحها الداخلية مؤلفات تمكنهم من معرفة مبلغ المردودية الاجمالية النظري المحصل في مختلف انواع التجارة.
[8] – كمال مرصالي ،جباية المقاولة في المغرب م س ، ص  108.
[9] – اقزيبر امحمد ،”الضريبة على الشركات بين تشجيع الاستثمار ومبدأ العدالة الضريبية” ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام ، جامعة الحسن الثاني ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء ، 1994 – 1995 ص  150.
[10] – عبد الواحد كنفاوي ، “الغش والتملص الضريبيان…. هدر للملايير “، جريدة الصباح،  العدد 29269 ليوم الثلاثاء 27 / 10/ 2009 ، ص:  6.
[11] – امحمد اقزيبر ،”الضريبة على الشركات بين تشجيع الاستثمار ومبدأ العدالة الضريبية” ، م. س ، ص:  151.
[12] – انظر المادة 10 من المدونة العامة للضرائب للسنة المالية 2009.
[13] -Chadli Abdelouahab, l’institution de l’impôt sur les sociétés au Maroc: limités et portée économique, diplôme des études supérieures en droit public, université sidi mohamed Ben Abdellah, Faculté de droit; Fes; octobre 1990, p 220.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.