واقع ظاهرة التهرب الضريبي

التهرب في النظام الضريبي المغربي – المطلب الثاني
من خصوصيات النظام الضريبي المغربي انه نظام يقوم كقاعدة على التصريح الجبائي التلقائي الذي يتقدم به الملزم، وهو بهذا يهدف إلى شراكة في الكشف عن الواقعة المنشئة للضريبة وفي تقدير المبلغ الذي سيساهم في التكاليف العامة طبقا لما ينص عليه الفصل 17 من الدستور[1].

ونظرا لما للتهرب من آثار على موارد الدولة والاقتصاد ككل، جعلت جميع التشريعات تحارب ظاهرة التهرب الضريبي، الشيء الذي نتساءل معه كيف تعامل المشرع المغربي مع هذه الظاهرة ( الفقرة الأولى) لكن قبل ذلك لابد من إعطاء لمحة عن واقع وأسباب هذه الظاهرة ( الفقرة الثانية ) .

الفقرة الأولى: واقع وأسباب التهرب الضريبي
تتعدد وتختلف أسباب التهرب الضريبي، ويبقى واقع الظاهرة السبيل الوحيد لمعرفة هذه الأسباب.

أولا: واقع التهرب الضريبي
إن تقدير أهمية التهرب الضريبي في المغرب أو في دولة أخرى نامية أو متقدمة يعد من الصعوبة بمكان، لأن طبيعة الظاهرة نفسها تفرض أن تبقى أعمال التهرب في طي الكتمان .

كما أن الدراسات والأبحاث التي أجريت في مجال قياس التهرب الضريبي جد قليلة ومن الصعب الوصول إليها فبالأحرى الحصول عليها، على عكس بعض الدول مثل فرنسا وهكذا فقد تم تقدير نسبة التهرب الضريبي ما بين 45 و50 مليار أورو من طرف “Sundicat National Unifié des impôts” ودلك بخصوص كل من الدولة والجماعات المحلية ودلك سنة 2006 .

ويمكن تفصيل نسب التهرب الضريبي بفرنسا حسب الإحصائيات التالية ومن خلال الرسم البيان التالي:

رسم بياني رقم 1: نسبة التهرب الضريبي في إطار الضرائب الثلاث بفرنسا سنة 2006

التهرب الضريبي في إطار الضرائب الثلاث بفرنسا

المصدر: تركيب شخصي اعتمادا على إحصائيات متواجدة بمرجع:نصير مكاوي، قراءة في آليات محاربة الغش الضريبي بالمغرب،م.س، ص: 51 .

أما في المغرب، فلتقديم إحصائيات حول موضوع التهرب الضريبي، لابد من التمييز بين الغش والتهرب بمفهومه الضيق، اد أن الأول يصعب تقديم رقم محدد بخصوصه، نظرا لكون الغش الضريبي يتم عادة دون معرفة أجهزة المراقبة، اد تكتفي هده الأخيرة ببعض التقديرات بناء على معطيات غير مدققة، لكن من المؤكد أن المبالغ تقدر بعشرات ملايير الدراهم، في حين أن التهرب الضريبي الناتج عن استغلال ثغرات القانون الضريبي توجد بشأنه إحصائيات لدى إدارة الضرائب، ودلك انطلاقا من التسهيلات الضريبية والامتيازات الممنوحة من طرف المنظومة الجبائية، اد من خلال إجراء تقاطع بين المعلومات والمعطيات المتوفرة، يمكن التوصل إلى المبالغ التي تخسرها الخزينة جراء التهرب الضريبي – بمفهومه الضيق- حاليا يقارب مبلغ هدا النوع من التهرب 29 مليار درهم[2] أي 58 % مقارنة بنفقات الاستثمار المبرمجة في مشروع قانون المالية برسم سنة 2010 .

هدا مع العلم أن نسبة التهرب الضريبي في تزايد مستمر مند السبعينات، وليست ظاهرة حديثة العهد، ففي نهاية السبعينات وصلت درجة التهرب الضريبي إلى مستوى اضطرت معه وزارة المالية في سنة 1980 إلى القيام بحملة وطنية ضد التهرب الضريبي حيث انه ولمدة عدة شهور عشرات المفتشين والمراقبين عاينوا مئات المقاولات وقد مكنت هده الحملة من تحصيل ما قدره 350 مليون [3]درهم أي حوالي 20 % من الضريبة على الأرباح المهنية لنفس السنة .

كما اضطرت وزارة المالية أيضا إلى الإعلان عن عمليتين للعفو الجبائي في ظرف ست سنوات ودلك سنة 1984 و1990، وهو ما أدى إلى تحصيل مبالغ جد مهمة في إطار التهرب ودلك بعد عملية المراجعة لبعض الملفات الضريبية .

وهكذا فسنة 1985 تمت مراجعة 1300 ملف ضريبي، أما المبلغ المحصل عليه بعد هده العملية هو 625556916 مليون درهم، وحوالي 1004 ملف ضريبي سنة 1988، أما المبلغ المحصل عليه فيقدر بحوالي 771138551 مليون درهم[4] .

وظاهرة التهريب الضريبي بدورها تكلف خزينة الدولة خسائر جد مهمة، هده التجارة الفوضوية التي أصبحت تحتل فضاء أوسع من التجارة المنظمة في السوق المحلية، بفعل التزايد الكبير لمسالك التوزيع والتوريد العشوائي لمختلف البضائع خارج المسالك المنظمة، فقد بلغ حجم المعاملات في السلع المهربة بالجهة الشرقية[5] ما يناهز ستة (6) ملايير درهم[6] سنة 2004[7] .

والرسم البياني التالي يوضح حجم الخسارة التي تسببها هده الآفة، بكل من باب مليلية وباب سبتة باعتبارها منطقتان حدوديتان بامتياز وبهما تنشط عمليات التهريب:

رسم بياني رقم 2: حجم البضائع المحتجزة بباب سبتة سنة 2003

حجم البضائع المحتجزة بباب سبتة
المصدر: تركيب اعتمادا على المعطيات المتواجدة بمجلة المعيار، العدد 33، يونيو 2005، ص: 106 .

رسم بياني رقم 3: حجم البضائع المحتجزة بباب مليلية سنة 2003

حجم البضائع المحتجزة بباب مليلية
المصدر: تركيب اعتمادا على المعطيات المتواجدة بمجلة المعيار، العدد 33، يونيو 2005، ص: 106 .

وإذا ما قاربنا هده المعطيات بالأرقام فسنجد أن قيمة هده البضائع بلغت سنة 2003 بباب سبتة 74729061 مليون درهم، لترتفع إلى 69457200 مليون درهم بباب مليلية من نفس السنة[8] .

ومن خلال قراءة تقارير المديرية العامة للضرائب، يظهر حجم المبالغ التي كانت ستفوت على خزينة الدولة بسبب التهرب الضريبي، وهكذا فسنة 2002 تمكنت الإدارة الضريبية من استرجاع مبلغ وصل إلى 1.6 مليار درهم، وقد مثلت 35 % فقط لفائدة المديرية الجهوية للدار البيضاء، و26.5 % بالنسبة لباقي جهات المغرب[9] .

ليرتفع هدا الرقم إلى 2.4 مليار درهم[10] سنة 2003، كما أن عدد الملفات التي تمت مراجعتها بلغت 33 % مقارنة مع سنة 2005[11]، حيث تمت مراجعة حوالي 1180 ملف ضريبي، و1199 ملف ضريبي سنة 2006، وهكذا تكون المبالغ التي تمت جبايتها على التوالي 1935648 مليون درهم، و 1900866 مليون درهم، أي بزيادة عرفت 1.83 %.

بالإضافة إلى كل ما سبق الجدول التالي يوضح حجم التهرب الضريبي والمبالغ التي تضيع على الخزينة العامة بسببه:

جدول رقم 1: المبالغ المحصل عليها من طرف إدارة الضرائب كجزاءات ما بين سنتي 2004 – 2005

السنوات20042005%
الجزاءات402.624.946526.896.67530.86

Source: Direction Générale des Impôts, Rapport d’activité 2005, p: 15
هذا وقد بلغ حجم الأموال التي تمكنت الإدارة الضريبية من تحصيلها في إطار الفرض التلقائي للضريبة ما يعادل 857677244 مليون درهم سنة 2004 وحوالي 860321856 مليون درهم سنة2005[12] .

إن الملاحظة البسيطة لهاته الأرقام يتبين حجم الخسائر التي يسببها التهرب الضريبي لخزينة الدولة من خلال نقص إيراداتها ومداخليها الضريبية .
المبحث الأول: مفهوم التهرب الضريبي وإشكالية محاربته
الفصل الأول: التهرب الضريبي والفعالية الاجتماعية
إشكالية التهرب في القانون الضريبي
______________________________________________
[1] – ينص الفصل 17 من الدستور المغربي لسنة 1996:” على الجميع أن يتحمل كل على قدر استطاعته التكاليف العمومية التي للقانون وحده الصلاحية لإحداثها وتوزيعها حسب الإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور” .
[2] – عبد القادر برادة، لقاء أجراه معه عبد الواحد كنفاوي حول موضوع: “الغش والتملص الضريبيان….هدر للملايير”، جريدة الصباح، العدد 2969، ليومه الثلاثاء 27 أكتوبر 2009، ص: 6 .
* للإشارة عبد القادر برادة إستاد المالية العامة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط
[3] – اقزيبر امحمد، ” الضريبة على الشركات بين تشجيع الاستثمار ومبدأ العدالة الضريبية”، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، عين الشق- الدار البيضاء، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، 1994- 1995، ص: 145.
[4] – محمد اقزيبر،” الضريبة على الشركات ….”، م.س، ص: 146 .
[5] – لكونها جهة حدودية بامتياز تنشط فيها معظم الجرائم المالية وعلى رأسها التهريب .
[6] – ادريس حوات، “مخاطر الجرائم المالية وأثارها على الاقتصاد وبرامج التنمية”، قضايا الجرائم المالية من خلال اجتهادات المجلس الأعلى، مطبعة الأمنية، الرباط، 2007، ص: 190 .
[7]- حسب الدراسة التي قامت بها غرفة التجارة والصناعة والخدمات بوجدة .
[8] – امحمد اغربي، “مراقبة ومحاربة التهريب والغش من طرف إدارة الجمارك إحدى أدوات المساهمة في التنمية”، مجلة المعيار، العدد 33، يونيو 2005، ص: 106 .
[9]- Direction Générale des Impôts, Rapport d’activité 2002 p:16- 17 .
[10]- Direction Générale des Impôts, Rapport d’activité 2006, p:15-16
[11]- Direction Générale des Impôts, Rapport d’activité 2005,p:19
[12]- Direction Générale des Impôts, Rapport d’activité 2005, p: 16

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.