مساس الحكم الأجنبي بالنظام العام المغربي

خامسا: عدم مساس الحكم الأجنبي بالنظام العام المغربي
الحقيقة إن هذا الشرط هو أهم الشروط المطلوبة في تذييل الاحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية وأكثرها تعقيدا وإثارة للجدل ، ولعل أهميته تتجلى في تنصيص جميع التشريعات عليه والحث على مراعاته تكريسا منها لمبدأ السيادة وهو في نفس الوقت أكثرها تعقيدا من حيث شساعة المعاني والدلالات التي تصب فيه بحيث لا نكاد[1] نجد تعريفا موحدا ومتفقا عليه لمفهوم  النظام العام.
والواقع أنه لا يوجد تحديد واضح للنظام العام لأن الفكرة تختلف باختلاف البلدان والأزمات فما يعتبر داخلا في النظام العام في زمن معين قد لا يعتبر كذلك في زمن آخر ولو تعلق الأمر بنفس البلد، إلا أنه يمكن التمييز في هذا الإطار بين نظام عام داخلي عام دولي من حيث إن الأول هو مجموعة من القواعد القانونية التي لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها بينما الثاني يتجسد في الشعور بالانتماء الديني أو السياسي أو الاجتماعي الذي يتجاوز حدود القطر الواحد.

وعلى مستوى العمل القضائي المغربي فإن هناك من يرى أن كثيرا من الاحكام الأجنبية الصادرة بإنهاء العلاقة الزوجية كان لا يعترف بها من طرف المحاكم المغربية التي ترفض تذييلها بالصيغة التنفيذية متذرعة بذلك بمخالفتها لشروط التذييل المنصوص عليها في المادة 430 من ق م م وكان سبب عدم تطابق الحكم الأجنبي مع النظام العام المغربي وراء صدور عدد كبير من الأحكام القضائية الرافضة لطلبات التذييل في هذا الشأن بحيث أصبح عدم تطبيق القاضي الأجنبي لأحكام مدونة الأحوال الشخصية المغربي وعدم مراعاته لتلك الأحكام يستنتج منه بالضرورة مخالفة النظام العام المغربي [2]
وقد لا يبدو غريبا أن ترفض المحكمة طلب تذييل حكم أجنبي بالصيغة التنفيذية مادام لا يحترم مقومات الأسرة او يتعارض مع حكم صادر عن إحدى محاكم المملكة ونمثل لذلك بالقرار الصادر عن المجلس الأعلى تحت عدد بتاريخ 20/09/2000 [3].
وعلى العموم فإن ما يبعث على الارتياح في هذا الصدد ومما يضمن الامتداد التطبيقي لمدونة الأسرة إلى مواطنينا بالخارج، ذلك الانبهار لدى الأوروبيين بمضامين هذا النص التشريعي الجديد ( مدونة الاسرة ) الانبهار الذي يبدوا أنه سيتحول إلى استحضار فعلي له من طرف القضاء الأوروبي وفق قواعد الإسناد وبناء على أن اعتبارات التعارض مع نظامه العام لم تعد قائمة مع المقتضيات الحداثية التي تضمنتها مدونة الأسرة الجديدة بالخصوص في ميدان إنهاء العلاقة الزوجية [4].

وفي هذا الصدد لا يسعنا سوى مباركة المبادرة التي أقدمت عليها وزارة العدل بإصدار نصوص مدونة الأسرة في طبعة فرنسية ، أملين أن تتلوها مبادرة أخرى بإصدار طبعة باللغتين الإسبانية والألمانية اعتبارا للعدد الكبير من المغاربة المقيمين بالأقطار الناطقة باللغتين المذكورتين [5].
الخطبة والزواج
_________________________
[1] – ع الرحيم حاوض ، نفس المرجع أعلاه ، ص  236 وما بعدها .
[2] – الاستاذ جمال الطاهري ، منشورات مجموعة البحث في القانون والأسرة العدد الأول ، ص  146.
[3] – جاء في القرار ” لما نصت المحكمة الألمانية على عدم إمكانية تطبيق القانون المغربي رغم أن النزاع يتعلق بالأحوال الشخصية لمغاربة مسلمين فإن الحكم المطلوب تذييله بالصيغة التنفيذية يعتبر مخالفا للنظام العام المغربي وقد ثبت أن الزوجة قد صدر عليها حكم بالالتحاق بالزوج وامتنعت من تنفيذه واستأنفته ثم رفعت دعوى الطلاق امام المحكمة الألمانية بقصد التهرب من  تنفيذ الحكم الصادر عليها في المغرب وذلك مخالف للنظام العام المغربي ”
[4] الأستاذ حمال الطاهري ، المرجع السابق، ص 146.
[5] عبد الرحيم حاوض، نفس المرجع أعلاه ، ص  237 -238

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.