معيار إثبات المسؤولية الجنائية للغش في القضاء – المبحث الثاني:
إن قانون زجر الغش في البضائع الذي جاء في إطار تدعيم حماية المستهلك التي أصبحت تعد من مقدمة الواجبات الأساسية للدولة الحديثة التي يقع على عاتقها ضمان المستوى المناسب من الحياة الكريمة والحصول على السلع والحاجات الكفيلة بتحقيق رغبات كل فرد على القضاء لأن يلعب دورا كبيرا في حماية المستهلك لكن القضاة وأمما تراكم القضايا ينظرون إلى ملفات زجر الغش على أنها بسيطة ويلجؤون إلى خرق عقوبات مخففة.
تراكم أدى إلى صدور مجموعة من الأحكام والقرارات وإن كان أغلبها تمكننا من الحصول عليه يتعلق بالجانب المسطري إلا أن نص لا يحول من خلال مضمون هذه القرارات دون تكوين فكرة أساسية حول المسؤولية الجنائية للغش في القضاء. انطلاقا من الوسائل التي يعتمدها هذا الأخير للتأكد من ثبوت هذه المسؤولية أو تخلفها.
فقد جاء في قرار المجلس الأعلى المؤرخ في 3/9/1996 حيث أنه بناء على الفصل 36 توزع في منتجات تقرير أو تقارير التحليل خلال الجلسة وطلب المتهم بإجراء هذه الخبرة وحيث أنه تبين أن الطاعنة بواسطة محاميها التمس إجراء خبرة مضادة وأن المحكمة رفضت ذلك في حين كان عليها طبقا للفصل المذكور أن تأمر بها وحيث أنها لم تأمر بها تكون قد خرقت الفصل المذكور وبالتالي جعلت قرارها ناقص التعليل الموازي لانعدامه[1].
ويمكن أن نستشف من هذا القرار الذي ينصب على الجانب المسطري المتعلق بالخبرة أن القضاء اتجه إلى اتجاهين متضادين إن صح حيث أن معظم محاكم الموضوع لا تستجيب لطلب إجراء الخبرة أما المجلس الأعلى الذي يشكل الاتجاه الآخر فهو يستجيب في أغلبه للنقص التي تخرق مقتضيات الخبرة المضادة.
وهذا ما نجد يتأكد في القرار العدد 144/ 8[2] حينما قضى بتأييد الحكم القاضي بالبراءة على أساس أن المقتضيات القانونية الآمرة المنصوص عليها في الفصلين 25 و 33 من ظهير 5/10/1984 المتعلق بزجر الغش توجب إحالة العينات على المختبر الرسمي للتحليل وإنجازه داخل آجل محدد ويكون القرار المطعون فيه حينما رتب على عدم احترام الأجل القانوني لإنجاز التحليل إبطال الخبرة المنجزة على مادة الدقيق.
وهكذا يمكن أن نخلص إلى أن القضاء يتجه في كثير من قراراته إلى اعتماد نتيجة التحليل كمحدد لقيام المسؤولية الجنائية وهذا ما يشكل في نظرنا ضعف للجانب الرديء الذي يتضح من خلال الممارسة العملية حيث أن جانبا كبيرا من المخالفيين المتابعيين يعدون إلى ارتكاب نفس الأفعال لأنهم يجدون ضالتهم في الأحكام الجنحية الصادرة التي لا يتعدى في بعض الأحيان سقف غراماتها ألف درهم.
كما أن اعتماد القضاء كما سبق وقلنا على نتائج التحليل قد يؤدي به إلى تكريس ضمان حوق ال *** خاصة والقضاء المغربي يعاني على المستوى المادي من خصاص في الأجهزة للمختبرات التي تستعملها مصلحة المقاييس والموازين وقمع الغش حيث أن مصلحة الغش لا تتوفر على العدد الثاني من المختبرات المتخصصة في المواد الكيميائية والفيزيائية والباكتيرية وتفتقر إلى التجهيزات بالتحاليل المختلفة[3].
كما أنها تعاني على المستوى البشري من نقص في أطر ذات تكوين تقني وخبرة حديثة حتى يمكنها مسايرة التكنولوجيا الحديثة التي يعرفها هذا المجال.
وأخيرا يمكن القول أنه إذا كانت المسؤولية الجنائية للغش في البضائع تقتضي قيام عناصرها (أي الإدراك والإرادة) المنصوص عليها في القانون الجنائي العام فإن وسائل إثبات هذه المسؤولية المستمدة عن طريق القضاء والمتجلية بالأساس في الاعتماد بشكل كبير على الخبرة التي ما زال يفتقر لمقومات الحداثة ليشمل كل طرق الغش والتضليل التي طالها التطور والاجتهاد وأصبحت تستعمل فيها الوسائل الحديثة غير كفيلة بتحقيق الغاية المنشودة من وراء إصدار قانون 13. 83. 13 المتعلق بزجر الغش.
التصميم
مقدمة
المبحث الثاني: معيار إثبات المسؤولية الجنائية للغش في القضاء
المبحث الأول: المسؤولية الجنائية للغش في البضائع
المسؤولية الجنائية للغش في البضائع بين القانون والقضاء
___________________________________________________
[1] – قرار عدد 692/ 3 الصادر في الملف الجنحي، عدد 24697/9 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العددان 53-54 على شكل قرص مدمج.
[2] – قرار عدد 144/8 المؤرخ بتاريخ 17/01/2002 / الصادر في الملف الجنحي، عدد 84697/6/8 2000 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العددان 62 على شكل قرص مدمج.
[3] – محمد شعيبي : مرجع سابق ، 69.
مقال رائع