تعريف الخطبة والنصوص القانونية المنظمة

تعريف الخطبة والنصوص القانونية المنظمة
الخطبة هي طلب الرجل التزوج من امرأة معينة لا يحرم عليه الشرع أن يتزوجها، وبعبارة أخرى هي إعلان رغبته في الزواج من امرأة خالية من الموانع الشرعية بالنسبة إليه، فإذا استجيبت هذه الرغبة بقبول من المرأة أو ممن له صفة شرعية في النيابة عنها، تمت الخطبة بينهما [1] .
وإذا ما تمت الخطبة بين رجل وامرأة فإنها لا تعدوا أن تكون تواعدا متبادلا بينهما على عقد زواجهما في المستقبل دون أن يكون ذلك التواعد ملزما، والخطبة وعد بالزواج غير ملزم، وحسب الفقرة الأولى من المادة الخامسة م أ ” الخطبة تواعد رجل وامرأة على الزواج “.
ولقد أجمعت المذاهب الإسلامية كلها على أن الخطبة وعد بالزواج غير ملزم والوعد بالعقد ليست له قوة العقد إطلاقا في إلزام طرفيه بآثار العقد. وهذا ما أفتى السيوطي رحمه الله كما جاء في الحاوي: ” وهل الخطبة ليست بعقد شرعي ؟ وهل عقد جائز من الجانبين ام لا ؟ والظاهر أن الخطبة ليست بعقد شرعي وإن تخيل كونها عقدا، فليس بلازم بل جائز من الجانبين قطعا “[2].

والخطبة قد تتم من الخاطب نفسه وقد ينيب عنه الغير فيها كأمه أو أبيه او هما معا، وهي قد تتم بالتصريح وقد تتم بالتعريض وقد تصاحبها قراءة الفاتحة وتقديم بعض الهدايا أحيانا، ولقد كيف المشرع المغربي الخطبة بأنها تواعد بالزواج وليس بزواج ويدخل في حكمها قراءة الفاتحة وما جرت به العادة والعرف من تبادل الهدايا [3].
وهذا ما نستشفه من خلال الفقرة 2 من المادة 5 من المدونة والتي تنص على أنه: لا تتحقق الخطبة بتعبير طرفيها بأي وسيلة متعارف عليها تفيد التواعد على الزواج ويدخل في حكمها قراءة الفاتحة وماجرت به العادة والعرف من تبادل الهدايا، ومن الناحية الشرعية ليس هناك ما يمنع من ان تكون المرأة هي الخاطبة للرجل وقد سبقت لخديجة بنت خويلد أن خطبت محمد بن عبد الله رسول الإسلام وتزوجته قبل البعثة”.
وفي القرآن الكريم فقد ورد بشأن نبينا صلى الله عليه وسلم:{ وامرأة مومنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد أن يستنكحها خالصة لك من دون المومنين }[4].

والخطبة غالبا ما تتم شفويا وإن كان ليس هنالك ما يمنع شرعا أو قانونا كتابتها ويستفاد ذلك ضمنيا من القراءة المتأنية للققرة الثانية من المادة الخامسة من مدونة الأسرة ، اما المادة السادسة من م أ فتنص على أنه:” يعتبر الطرفان في فترة خطبة إلى حين الإشهاد على عقد الزواج ولكل من الطرفين حق العدول عنها “.
ومن خلال هذه المادة أعلاه يتبين لنا أن الخطبة تنقي عادة بمجرد تحقق الغرض الأساسي المتوخى منها والمتمثل في إبرام عقد الزواج، وقد تنقضي الخطبة لأسباب أخرى كوفاة الخاطب او المخطوبة أو اتفاقهما على إنهاء الخطبة او عدول عنها بإرادته المنفردة[5]، طبقا لما يقضي به منطوق المادة 6 من مدونة الأسرة .
ولهذه الاعتبارات فإن مسألة العدول عن الخطبة قاعدة تتصل بجوهر النظام العام بحيث لا يمكن النزول عنها أو الاتفاق على ما يخالفها بالنسبة للرجل والمرأة على حد سواء لأن هذا العدول إنما تقرر لأسباب اجتماعية تسموا على مصالح الأفراد الخاصة.
والخطبة التي تنتهي من غير زواج قد تطرح بعض المشاكل القانونية التي تتعلق أساسا بمصير الصداق والهدايا التي قدمها الخاطب بالخصوص إلى مخطوبته، وبإمكانية التعويض المدني عن فسخ الخطبة الذي يتم بإرادة أحد الخطيبين المتفردة في إطار الأحكام العامة للمسؤولية المدنية ” [6].
إذا فما مصير الهدايا والصداق في حالة عدول أحد الطرفين أو كلاهما عن الخطبة ؟  يرى المالكية في هذا الصدد أنه إذا كان العدول من الخاطب فلا يجوز له الرجوع في شيء من الهدايا التي سبق أن قدمها للمخطوبة لأنه آلمها بعدوله فلا يجمع مع هذا الإيلام إيلاما آخر، وإن كان العدول من الخاطبة وجب عليها رد كل ما أخذته بعينه إذا كان موجودا وإلا فردت مثله او قيمته إن هلك او استهلك إذ لا وجه لها في أخذه بعدما آلمته بفسخ الخطبة [7].

وقد سارت مدونة الأسرة بدورها في نفس الاتجاه مع توضيح لحكم الحالة التي قد يستحيل أو يصعب فيها رد الهدية بعينها، وهكذا جاء في المادة 8 من م أ ما يلي:” لكل من الخاطب والمخطوبة أن يسترد ما قدمه من هدايا ما لم يكن العدول عن الخطبة من قبله ” وترد الهدايا بعينها او بقيمتها حسب الأحوال ” على أن الخاطبة قد تنكر توصلها بالهدية التي يدعيها الخاطب، وفي هذه الحالة تعتمد قاعدة البنية على المدعي واليمين على من انكر ومن النزاعات التي عرضت بهذا الصدد على القضاء المغربي حكم صادر في موضوع الخطبة” حيث تقدم المدعي بدعواه يعرض فيها بأنه خطب السيدة المدعى عليها من والدها المدعى عليه بحضور مجموعة من المدعوين وانه سلم بحضورهم لوالدها مبلغ 8000.00 كصداق كما اشترى لها خاتم بمبلغ 1500.00 درهم و3 منامات بمبلغ 900 درهم، وثلاث أغطية للرأس ب 600 درهم، وخروف بمبلغ 1500 درهم وحذاء بمبلغ 300 درهم و4 كيلوغرامات من التمر بملغ 300 درهم كما اشترى لها 10 كيلوغرامات من الحناء بمبلغ 150 درهم، و40 طير من الدجاج بمبلغ 750 درهم حيث أصبح مجموع ما انفقه 15100 درهم ، إلا أنه فوجئ بعد ذلك برفض المدعى عليهما اتمام الزفاف وتنكرهما لما قدمه لمخطوبته وما أنفقه في الخطبة، ولأجله يلتمس الحكم عليهما بإرجاع مبلغ 23100 درهم قيمة الصداق والجهاز والهدايا إضافة إلى التعويض عن الضرر قدره 10000 درهم مع النفاذ المعجل …

التعليق على الأحكام المتعلقة بالخطبة
وحيث إنه للخاطب أن يسترد ما قدمه من هدايا ما لم يكن العدول من قبله وترد والهدايا بعينها وبقيمتها تطبيقا للمادة 8 من م أ …
وحيث إنه إذا أقدم الخاطيب الصداق وحدث عن الخطبة للخاطب استرداده تطبيقا للمادة 9 من م أ .

وحيث إنه بمجرد العدول عن الخطبة لا يترتب عنه التعويض طبقا للفصل 7 من م أ ، وحيث إن المدعى عليها لم يصدر عنها أي تصرف سبب ضررا للمدعي من جراء عدولها عن الخطبة الشيء الذي يبقى معه طلب التعويض غشر مؤسس ويتعين عدم الاستجابة له. وعلى هذا الأساس حكمت المحكمة على المدعى عليهما بإرجاعهما للمدعي هدايا الخطبة المتمثلة في ما أشرنا إليه سابقا وكذا إرجاع مبلغ الصداق المحدد في مبلغ 7000 درهم، والكل تضامنا بينهما مع تحميلهما الصائر “[8].
وهكذا فقد حكمت المحكمة في هذه النازلة بأحقية الخاطب في استرجاعه لهداياه وصداقه عندما تبين لها أن ما قامت به المخطوبة ووالدها هو عمل مشوب بسوء نية، واستخلصت من ذلك أن العدول كان من جانبهما وليس من جانبه .وهكذا فإن حكم الهدايا أثناء الخطبة هو غير حكم الهدايا أثناء الزواج، وقد نظم المشرع المغربي حكم الهدايا بعد انتهاء الخطبة بغير زواج وسكت عن حكم الهدايا أثناء سريان عقد الزواج ومن ثمة يجب تطبيق القواعد أعلاه، بالاعتماد على الإحالة على الفقه المالكي المنصوص عليها ضمن مقتضيات المادة 400 من مدونة الأسرة [9].

المطلب الأول: الأحكام المتعلقة بالخطبة
الفصل الأول الخطبة و الزواج
الخطبة والزواج

 

الخطبة والزواج

_________________________

[1] – محمد الكشبور ” شرح مدونة الأسرة “، الجزء الأول ، الزواج ، الطبعة الأولى ، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء ، 2006 ص  125.
[2] – الحاوي للفتاوى ، الجزء الأول، ص 178.
[3] الفصل الثاني من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة والذي حلت محله الفقرة الأولى من المادة الخامسة من مدونة الأسرة وقد جاء فيها ما يلي:” الخطبة تواعد رجل وامرأة على الزواج …”
[4] – الآية 50 من سورة الأحزاب .
[5] – محمد الكشبور ” شرح مدونة الأسرة “، مرجع سابق، ص 135
[6] -نفس المرجع أعلاه ص 135.
[7] – وهذا هو أرجح الأقوال في مذهب الإمام مالك وهناك رأيان آخران لا يرجح شيء أو انفق ولو كان الرجوع من جانبها، والأجر أنه يرجع في الهدايا ولا يرجع في الانفاق، ولقد جاء في الشرح الكبير للشيخ الدردير أن أوجه الرجوع عليها إذا كان الامتناع من جهتها وإلا لعرف أو شرط لأن الذي أعطى لأجله لم يتم أما إذا كانت العدول من جهته فلا رجوع له قولا واحدا ” أورده محمد الكشبور ، مرجع سابق، ص 137.
[8] – حكم رقم 728 صادر عن قسم قضاء الأسرة التابع للمحكمة الابتدائية بمكناس بتاريخ 27/4/2004 في الملف رقم 1137/02/5
[9] – محمد الكشبور ، مرجع سابق، ص 140.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.